صادق باخان *
الى متى تظل العملية السياسية تنتقل من أزمة الى أزمة ؟ فالعراقيون الذين كانوا يحلمون ببناء وطن يصبح انموذجا في تطوره الصناعي والزراعي والتربوي والثقافي لانه يتمتع بكل العناصر لتجعل منه هذا الانموذج – ثروة طبيعية هائلة وشعب محب للعمل والابداع صاروا يضربون كفا بكف وصارت افواههم مملؤة بالمرارة والزجاج ويتنهدون – يا الهي اهكذا يصبح العراق ، ساحة للصراعات الحزبية والفئوية وحلبة لصراع الاخوة – الاعداء؟.
هكذا اذن فان الوضع السياسي يكاد يشهد اليوم اخطر ازمة سياسية ممثلة بتأخر المصادقة على الميزانية الاتحادية مما يعني بان قوانين مهمة تخدم العراقيين والعراق سوف تتعطل فنخسر بالتالي زمنا اخر يبعدنا عن القرية الكونية والحداثة في الميادين كافة، فمثلا حين بلغت اقيام الموازنات السابقة 100 مليار دولار وهو اكبر رقم في تاريخ الموازنات العراقية استبشر الجميع بالخيرات وبان العراق قد وضع قدمه على رحلة الالف ميل وسينتقل الفلاح الذي ما يزال يستخدم المحراث الخشبي الذي يجره ثور عجوز الى استخدام المكننة لزيادة الغلال الزراعية وتلجأ الحكومة الى احياء الصناعات المتوقفة عن العمل وتولي عناية خاصة باحداث نقلة نوعية للاقتصاد العراقي والتحرر من الاعتماد على الاقتصاد الريعي ، اي الاعتماد على النفط ولكن ظهر بان ما كل ما يتمناه المرء يدركه لان رياح الصراعات بين الارادات المتنافرة للكتل والاحزاب السياسية سرعان ما تعصف بكل المشاريع الاستراتيجية التي تقترحها الحكومة والتي عادة ما يصنفها البعض تحت مظلة الدعاية الانتخابية ومشاريع نفعية تعود منافعها ونتائجها لصالح رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وهم في هذا يخلطون الاوراق وليس لهم وعي بالزمن وكأنهم يظنون ان السيد المالكي باق في الحكم وليست المشاريع المقترحة في صالح العراق والعراقيين.
بالتاكيد ان بعض دول الجوار تشعر بالقلق من نهضة العراق وتصاب بالارق ولا يغمض لها جفن كلما علمت بان الموازنة العامة للحكومة تجاوزت المئة مليار دولار وهي موازنة تفوق موازنات عدة دول في القرن الافريقي وعدة دول في الشرق الاوسط ودول الجوار تعلم ان نهضة العراق تشكل تهديدا لها لان اسس بنيانها قائمة على الرمال وهي دول يحلو لي ان اسميها بدول مصنوعة من الغبار ومن الطبيعي وكقاعدة للقانون لكل فعل رد فعل ان تسعى بعض دول الجوار الى التاًَمر على العراق وذلك من خلال تقديم الدعم للارهابيين وشحن بطارية بعض الفضائيات العربية والمحلية تصبح مهمتها الجوهرية العزف على الكمنجة الطائفية ونشر الفتن والاكاذيب عسى ولعل ان تقوم حرب اهلية كالتي قامت واشتعلت في لبنان في سبعينيات القرن الماضي ودامت خمس عشرة سنة صارت بيروت على اثرها مدينة يسكنها الاشباح وبعض دول الجوار ترغب ان ترى بغداد مدينة يسكنها الاشباح ولكن هيهات لهم وليعلم ممن لا يعلم بان الارهاب لا وطن له ولا مشاريع سوى زراعة الموت وهو ضد الحداثة ويعد الديمقراطية واجراء الانتخابات بضاعة ( للغرب الكافر) وان الارهاب سيسافر الى جميع دول منطقة الشرق الاوسط بدليل ان وزارة الداخلية السعودية وقد استيقظت من غفلتها او اضطرت الى ذلك فاعلنت عن ادراج تنظيم الاخوان وداعش وجبهة النصرة وحزب الله السعودي على قائمة الارهاب.
وما يهم العراقيين هي الموازنة التي كما يبدو قد دخلت في متاهات وجدل بيزنطي وتأخر اقرارها مما اضطر رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى القول بانه سيمضي بصرف اموال الموازنة العامة للعام 2014 حتى اذا لم يقرها مجلس النواب فاثار هذا الموقف ازمة سياسية بين الحكومة والبرلمان من جهة وبين بغداد واربيل من جهة اخرى الامر الذي جعل البعض الى القول ( وما اكثر الاكاذيب والافتراءات التي ينشرها اصحاب الافواه الكبيرة ) بان ازمة الموازنة ربما ستدفع باقليم كردستان الى اللجوء الى اعلان الاستقلال الاقتصادي.
من الطبيعي ان يؤدي تأخر اقرار الموازنة الى ردود افعال شتى منها ان مئات المواطنين العراقيين قاموا بتنظيم تظاهرة سلمية في ساحة التحرير في الباب الشرقي طالبوا خلالها باقرار الموازنة العامة الاتحادية للعام 2014 وشددوا على ضرورة ان يلجأ رئيس الوزراء نوري المالكي الى التصرف بالموازنة بعيدا عن مجلس النواب وقال ناشطون في منظمات المجتمع المدني على هامش التظاهرة بان الكتل السياسية التي تقف بالضد من اقرار الموازنة العامة الاتحادية لا تعي مصلحة ملايين الموظفين ولا حتى الاخرين غير الموظفين التي تربط مشاريع الخدمات الاخرى بحياتهم وتحدثوا بلغة تحمل مدلولات سايكوسوسيولوجية بقولهم بان الكتل السياسية التي تقف بالضد من اقرار الموازنة العامة للعام 2014 حريصة على تحقيق مصالحها الحزبية والفئوية.
والمثير في الامر ان الصراعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تحول الى صراعات شخصية فباتت تثير القلق لدى عموم الشعب العراقي وهناك من يرى بان الصراعات بين السلطتين امر طبيعي لان النظام السياسي العراقي نظام برلماني وبالتالي فان السلطتين التنفيذية والتشريعية شريكان ومتداخلان في الصلاحيات في ما يتعلق بادارة شؤون البلد كل بصلاحيته وحسب ما قرره الدستور ولهذا فان الحكومة تنتقد مجلس النواب ومجلس النواب بدوره ينتقد الحكومة لانها لا تستجيب لبعض ما يطلبه مجلس النواب ولكن ان تتحول الصراعات بين السلطتين، بحسب راي بعض النواب الى صراعات شخصية فهو امر مرفوض.
بالتاكيد ان تأخر اقرار الموازنة اثار جدلا متشعبا بين جميع الكتل والاحزاب السياسية وكل يدلي بدلوه سواء في الصحف او في الفضائيات ولكن المهم في الامر هو ان تجتمع الارادات باتجاه ترسيخ النهج العقلاني البراغماتي الذاهب لخدمة العراق والعراقيين من دون الاتجاه الى ترسيخ فلسفة الطلياني المسيو مكيافيللي ويضعوا مصلحة العراق والعراقيين فوق كل اعتبار برغم مثالية هذا الطرح ولكن الاخطر ما قاله السيد حسن وهب عضو اللجنة المالية في مجلس النواب في تصريح خص به صحيفة الصباح الجديد بان العراق يخسر مبالغ طائلة تبلغ اكثر من ستة مليارات دولار شهريا بسبب تأخر اقرار الموازنة الاتحادية وان تعطيل المشاريع الاستثمارية يعني ترحيل تنفيذها عاما كاملا وهو ما يحصل في الوقت الحالي بحسب تعبيره.
وفي الاتجاه نفسه فقد اكد النائب عن ائتلاف دولة القانون السيد عباس البياتي في حديث صحفي بان تأجيل قانون الموازنة العامة الى الدورة البرلمانية امر وارد في ظل الخلافات الراهنة بين الحكومتين الاتحادية واقليم كردستان واشار السيد البياتي الى انه قد لا تكون هناك اصلا موازنة في العام 2014 بسبب المدة الطويلة التي سيستغرقها اعلان نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة بحسب تعبيره لكن السيد البياتي اشار الى انه في حال تمت السيطرة على الخلافات فاننا سنتمكن من عرض الموازنة للقراءة في جلسة البرلمان للاسبوع المقبل على حد تعبيره.
بعد هذا الايجاز ونحن نخوض في بحر الصراعات بشأن تأخر اقرار الموازنة الاتحادية والصراعات الدائرة بين الاخوة – الاعداء وهي صراعات وصفها صديق روائي بانها اشبه بصراعات الاخوة كرامازوف في رواية العظيم فيدور ديستويفسكي مع اختلاف موضوع وزمن الصراعات، اقدم هذه الصورة من بلاد ( ابو ناجي ) من عاصمة الضباب.
فاز حزب المحافظين في الانتخابات التشريعية التي جرت في انكلترا قبل ثلاثة اعوام لكن المحافظين لم يحصلوا على الاغلبية لتؤهلهم على تشكيل الوزارة فاضطر السيد ديفيد كاميرون المحافظ الى تشكيل ائتلاف مع حزب الاحرار ليعيد الائتلاف نفسه الذي تشكل قبل خمسين سنة فتمكن بالتالي من تشكيل الحكومة الائتلافية في غضون اربع وعشرين ساعة وعلى العراقيين الصابرين الانتظار الى متى تنتهي الصراعات بين الاخوة – الاعداء ليتم الاتفاق بينهم على اقرار الموازنة الاتحادية ولينتظر العراقيون مجيء السيد غودو، ولكن الصبي جاء ليبلغ الصعلوكين فلاديمر واستراغون بان غودو لن ياتي اليوم وانما سياتي في الغد وهكذا يستمر الانتظار في جدلية الامل ضد الامل وما تبقى هو الراحة.
* من أسرة «الصباح الجديد»