أمير الحلو*
قبل أن أسرد حكايتي أبدأ بقصيدة الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم لأن بدايتها تشبه بدايتي مع إختلاف الموضع ولكن القاسم المشترك هو الحديث عن هموم الشعب ومعاناته في حياته، فالشاعر قبل أن يبدأ (مصر يامه يا بهيه يم طرحة وجلابية) يقول:
يسبق كلامنا سلامنا يطوف ع السامعين معنى
ويعود كلامنا في سلامنا يطوف ع الصحبة حلاواني
تذكرت هذه القصيدة الرائعة التي غناها الشيخ إمام وأنا أقف على بائع الخضر والفواكه للشراء وسط إغراءاته بشراء الفواكه التي تطل على الأسواق في هذه الأيام (وأكثرها مستورد) حتى تخال أنك في مبنى الأمم المتحدة من حيث التنوع وليس من حيث المحتوى والشكل، فقد نظرت الى حبات العنب الكبيرة السود [(حب) فإذا به يراقبني وطلب مني أن أتذوق حلاوته أولاً وأردف ذلك بحمل عنقود منه قدمه لي ولكن رافقت حركته (الحاتمية) هذه طيران العشرات من الذباب الذي كان هو أيضاً يستمتع بالحلاوة، فإعتذرت بسبب تلوث العنب وعدم صلاحيته للأكل وهو على هذه الصورة، وكتحد لي قام البائع بمسح الأتربة من على العنب وأكل بعضاً منه وكأنه يقول أنظر لي فأنا سليم وأتركوا دلالكم أنتم (الأفندية)! وسواء إشتريت أو رفضت فقد ذهب ذهني الى معادلة النظافة والقذارة ووجدت أنهما يمثلان ثقافتين مختلفتين وراسختين في عقول أنصار كل طرف وتكون معه في جميع مراحل حياته اليومية والعامة، لذلك فأن أكثر ما أخشاه وأنا أرى أحد جيراننا يرمي الأزبال في الشارع علنا أن تكون هناك عملية تطبيع للناس على حالة فقدان النظافة وعدّها أمراً طبيعياً كما هو الحال مع السيارة الحديثة التي يرمي سائقها علب المشروبات الغازية في الشارع العام ويتبعها بالأوراق ومحارم التنظيف، والطريف أن هذه الممارسة لا تعد مخالفة فالأنظار متوجهة مع شيطان حزام الأمان فقط !
وكم يؤلمني أن أسمع بعض الضيوف العرب والأجانب يستغربون حالة إنعدام النظافة والفوضى التي تضرب الخدمات فيها وبعضهم يقارن بغداد الماضي والحاضر فنزداد ألماً، وهذا ما أوصلني الى إختراع نظريتي النظافة وأوساخ المتناقضين وهي تعني أن (تقاليد عدم النظافة) منهجاً نسير عليه من دون ردع أو عقوبة وقد تطبعنا على هذه الحالة التي تطالعنا أين ما نسير ونحل حتى أصبح من المعتاد رؤية الأزبال في الشوارع !
كنت قبل إسبوعين في زيارة الى دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور مؤتمر ثقافي في الشارقة وأول ما لفت نظري (إلى جانب أشياء أخرى) أن الشوارع تخلو من كل آثار العدوان فلا أزبال ولا أوساخ، وحتى لو رمى طفل شيئاً في الشارع فأن الشيء لا يرتاح دقيقة فهناك من يصطاده ويرميه في النفايات، وكذا الأمر في الأسواق والمحال وفي جميع مجالات الحياة، وتألمت على بلدي وعاصمتي وهما يشهدان مظاهر الأوساخ في كل مكان ولا من رادع للمسببين لذلك أو الذين يتجاهلون مسؤوليتهم .. وقد تجد مسؤولاً في حقل الخدمات يستنكر هذه الحالة ومكتوب تحت إسمه على الشاشة أنه مسؤول كبير في هذا المجال بالذات !
ويعود كلامنا في سلامنا وله معنى.