جبّار ونّاس
دائما يُصرُّ الناثِرُ بروحِ الشعرِ (كرار الشحماني) على دهشةِ قارئ نصِّه حينَ يحطُّ برحلِ قاموسِه اللغوي أمامَنا ومستعيناً بعدةِ المخيلةِ وبعضٍ من مآثرِ المفارقة.
ورغم ما يُتكشفُ لنا حين نُحدقُ ملياً بما يتحوي عليه ذلك الرَحْلُ من ابتسارٍ أو لِنقلْ وشلة نزيرة متبقية من مفرداتِ قاموسِه اللغوي فإننا بمواجهةِ قلةٍ باقيةٍ لا تكادُ تحتشدُ بسطرٍ او بسطرين نجدُه يتعكزُ عليها ويفرشُها لنا لِيكونَ هذان السطران مثارَ دهشةٍ وإعجابٍ من لدن مَنْ يقرأهما لما فيهما من سلاسةِ المفردةِ وحسنِ التواشجِ المبسطِ بين فاعليةٍ وحضورٍ وتجاورٍ تلك المفرداتِ وبين ما ينتج لنا من معطى مؤثرٍ في المعنى القادمِ والناتج بفضل ذلك التواشج والتجاور والحضور الباعث على الدهشة
فمن صفحته في الفيس بوك وبتاريخ 5-11-2024 نقرأ هذين السطرين :
ضاعتْ هيبةُ البحرِ
حين بدأ الناسُ يغرقون على اليابسة..
فهنا ثمة معادلةٌ تقيم معمارَها اللغةُ وعمادُها الامتلاء والفيضُ يقابلها الجفافُ والتصحر.
وإذا ما أخذنا بما يؤديه المجازُ فسنكون مع استشرافٍ عبر اللغة وهي تتضمدُ بروحية الشعر فيما تؤول إليها الحالُ عند منعطفي الامتلاء والنضوب.
وبتلك اللغة من عنديات(كرار الشحماني) فنحن مع بنيةِ المفارقة وهي تنفضُ من عندياتها أيضا لتقودَ القارئَ كيما يدلو هو الآخر بما يحصل عليه من براهين التأويل، التي ستتمخضُ بين طياتِ هاتين العتبتين النابزتين وبوضوح(الامتلاء-النضوب) فيبدو هذان السطران ناضحين بدفقِ المعنى القادمِ والذي كان يتوارى خلفَ مفرداتِ هذين السطرين.
وعند النبشِ والتمعنِ بحدودِ التعالقِ في المعنى والاشتباك فيما يأتي به إلينا هذا المعنى حين الدخولُ في أولوياتِ ذلك التعالقِ وقيمةِ ما ينتج من تكاملِ الصلةِ بين اليابسةِ بكونها تحتضنُ ما كان يرفعُ من منسوب هيبة البحر بوصفه المانحَ الكبيرَ الذي يغدق بما يجعله من ركائز الوجود وسرَ الديمومةِ لحضورٍ أكبر وأبهى بعنوان(الوجود الحياتي) ومساحة اشتماله وبعنوانات كبيرة في( التخادم، البذل والعطاء، ارتقاء فاعلية النماء وفق مجريات التعايش المشترك والسليم بثراء التلاقحِ الحق)
ومن تبصراتِ المعاينة النقدية الراجحة فيما جاءت به فاعلية التجسير بين سطريْ (كرار الشحماني) فإنَّ القارئ سيكون أمام بنيتين فاعلتين بحكم ما يمتلكانه من أثرٍ بارزٍ في تجلياتِ ما ينتج من معنى ويتمثلان ببنية (الظهور) حيث هي هيبة البحر وأيضا في بنية(الركوس والاختفاء) إذ هي اليابسة أمام امتحان الغرق وفي هذا يظهر مدى تعويل الناثر(كرار الشحماني) على قدرة اللغة واختبار مفرداتِها وهي تأخذُ من قابليةِ المجازِ البلاغي لأنْ يكونَ المعينَ الذي بواسطته نتلمسُ مقداراً من شاعرية المفردةِ وهي تأخذُ لها حيزاً زاهياً يشي ويساعدُ القارئَ وهو يتلمسُ نشوةَ التقابلِ المثيرِ المتحققةَ بمفهومِ (الهيبة) وما يقابُلها (الغرق) وأيضا بمفهوم(الحركة وروحية وطراوة الماء) حيث البحر مقابل (اليباس والجمود والسكون السلبي) حيث اليابسة، وبهذا نلاحظُ مدى الأثر المؤدى من استعمال قدرةِ أثرِ البلاغةِ من خلال حضورِ أحدِ عناصرِها يتمثلُ ب(الطباق) ساهم في رفع منسوب الرغبة لدى القارئ وهو يتابع هذا التقابل المختلف وربما المتناقض ليكون (القارئ) عند محصلة المعنى الناتج أمامه بعد أنْ يساهم هو الآخرُ وعبر ما متاحٌ له وما توفرُه ممكناتُ الفحصِ والتأملِ والتأويلِ ليصلَ إلى عمليةِ رصدٍ قرائي تشتملُ على مكامنَ من اللذةِ والمتعةِ إذ المعنى القادمُ إليه ساهمتْ في ولوجه بعضٌ من قابليةِ الشعرِ وتنافذُها بين مفرداتِ هذين السطرين.
وحين يصلُ الحالُ عندَ أولويةِ التساؤلِ عن ممكناتِ التوجه بكتابةِ هكذا نصوصٍ تتوخى الركوزَ عند مفترقِ الاقتصاد والاختزال في كميةِ الكلامِ المؤدى ببضعةِ أسطرٍ من الكلماتِ لهو مدعاةٌ لأنْ تحظى هذه الظاهرةُ في كتابةِ نصٍ يمكن أنْ يترسم بتسمية (النص المقتصد) من قبل مجموعة من الشعراء وأغلبهم من الشباب صرنا نقرأ لهم عبر مواقع أدبية ومن خلال صفحاتِهم في التواصل الاجتماعي وهم يكتبون نصوصاً مدارُها اللغةُ وبمساحةِ المفارقةِ واللعب بتداولِ المعنى المتحصل عبر عملية الاقتصاد والاختزال والتكثيفِ المركزِ والمقصودُ منه نيلُ نباهةِ القارئ حين يقفُ أمامَ نصٍ يقتصدُ بتضافرِ اللغةِ وهي تتبطنُ بقابليةِ الشعرِ وبرهاوةِ المعنى القادمِ إليه..