هندسة العمارة بين الفن والتكنولوجيا

خنساء العيداني

أقام اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة جلسة عن العمارة للأستاذ الفنان والمعمار المقيم في الإمارات داود سالم محمد، وكانت بعنوان (هندسة العمارة بين الفن والتكنولوجيا)، قدّم فيها رؤيته للترابط بين عنصري العمارة الحديثة: الفن والتكنولوجيا، ومدى تأثير الجانبين في التأسيس لعمارة حداثية بآخر الوسائل التكنولوجية، وأقيم على هامش المحاضرة معرضان أحدهما للتصاميم المعمارية التي أنجزها الأستاذ المحاضر، وثانيهما معرض لرسوم بورتريه بالألوان المائية والتخطيطات..

استهل الدكتور أسعد الأسدي الجلسة حول بعض محركات العمارة الحديثة وعلاقتها بالتراث وخطورة الاستسهال في هذا الامر، ثم تحدث المحاضر مقدما رؤيته، فقدم عرضا سريعا لبعض من المحطات في تاريخ العمارة في العراق متطرقا الى نظرية علم الجمال، مشددا على أن نظريات علم الجمال منذ 200 عام لها فعل مؤثر العمارة الأوروبية، وعلم الجمال يدخل فيه الأدب والرسم والقصة، وإن العمارة تدخل فيها علوم متعددة من خلال ربط الجوهر مع المظهر، والداخل مع الخارج، كعلم الرياضيات وغيره من العلوم، ودخول الكمبيوتر الذي أثر على توظيف القدرات الإبداعية للمهندس المعماري. واعتبر الذكاء الاصطناعي سلاحا ذا حدين، معتبرا التحديات التي تواجه العمارة لا تختلف عن التحديات التي تواجه القصة وغيرها من الفنون الابداعية عندنا، وواحدة من المشاكل التي تواجهها العمارة هي البناء الحضري، وهو قضية دخول الجانب الاجتماعي عند تخطيط المدن.  وإن الافتقار الى الجانب الوظيفي من ناحية توزيع المباني حسب اختصاصاتها يؤدى الى التفكك الاجتماعي، وقد حاول الأوروبيون، في السنوات الأخيرة، خلق مجمعات سكنية، وجوانب ترفيهية باتجاه خلق جوانب حميمية تحافظ على التواصل الاجتماعي، عندنا في العراق قدم الدكتور راسم البدراني مقترحات للبناء الافقي وتجنب المباني العالية بشكل بوكسات معزولة، وراسم البدراني من المعماريين المتميزين الذي ربط بين الحداثة والبيئة الاجتماعية.

لقد دشن الكمبيوتر عصرا جديدا في العمارة حيث تمكن من توسيع المعرفة بشكل انفجاري، وكانت مساهمته في جعل الدراسات أكثر رقيا، وهي مساهمة خطيرة جدا، كون التكنولوجيا تمشي قدما مع الاستدامة، وهي عملية توظيف مواد بناء صديقة للبيئة وتسمى (الاستدامة النظيفة)؛ فتجمع نفايات البناية لإعادة تدويرها، وتحدث المحاضر عن الكم الهائل من المعلومات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي الذي يدخل في حياتنا دون استئذان، فجعلتنا محركات البحث بطاقتها الاستيعابية التي هي أكبر من جوجل بمئات المرات بل وآلاف المرات، أمام عالم مخيف، وواحدة من أهم متغيراتها العزوف عن اقتناء الكتاب المطبوع رغم خصوصيته من ناحية رائحة الورق وملمسيته.

وقد ساهم عدد من الحضور في مناقشة المحاضرة:

تحدث القاص محمد سهيل أحمد عن طبيعة العمارة الحديثة، وكيف تكون الشوارع متماثلة دون فوارق ثقافية، وتحدث عن أهمية العلامات الدالة في المدن ومنها المدن الأوروبية، وحاجة المدن الى العلامات الدالة على المدن، أعقبه الدكتور حسين الركابي الذي تحدث عن العمارة التراثية اليمنية المتميزة في أماكن كثيرة من اليمن ومنها صنعاء، وتساءل القاص باسم القطراني: هل هناك برامج للتنسيق مع الجهات المحلية حول العمارة التي تبنى الآن؟ وهل هناك محاضرات لتثقيف الحكومات المحلية في مجال العمارة..

وتحدث الناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي عن الفن والتكنولوجيا كأدوات لتنفيذ العمارة، وإن العمارة برأي الصالحي بالنسبة للمتلقي مسألة نظر، فبينما المعماري ينظر للمبني وظيفيا من الداخل، ينظر المتلقي الجمالي من الخارج، وهنالك رأي مماثل للناقد البريطاني هربرت ريد، وإن النظر من الداخل نظرة وظائفية ونفعية وتدخل التكنولوجيا بها دخولا مؤثرا، فالقبة الاسلامية تكون أكثر هيبة وأثرا جماليا، حين يكون المتلقي داخلها، كطاق كسرى مثلا. والنظر من خارج العمارة أحيانا، ليس فقط النظر من الجانب المجاور للبناية، إنما يجب أن يتخذ المتلقي زاوية نظر خاصة، مثلا أن العديد من نتاجات زها حديد يجب النظر إليها من الطائرة، كذلك مدينة النخلة في الإمارات، صممت على الساحل، يجب النظر لها من الطائرة. واعتبرت دعاوى التعبير عن الروح المحلية من مخلفات التاريخ، فقد جرفت العولمة والتقدم التكنولوجي الهائل كل شيء كعجلة مسننة تجرف كل العراقيل التي تقف بوجهها، وحتى في الرسم العراقي نجد دعاوى التعبير عن روح المحلية قد تراجعت كثيرا الى الخلف.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة