قلما تسنح الفرصة التأريخية الراهنة للتطور والنمو في العراق لأي بلد آخر. ففي المنظور التاريخي ترتكز الوقائع الحياتية ومراحل التطور والنشأة والتقدم على مؤشرات جزئية تمثل في حال استمرارها ظاهرة او توجهاً معيناً لسياسات واقتصاديات المرحلة.
ان انتهاز فرصة التنمية الاقتصادية في القطاع النفطي كانت واحدة من اهم انجازات الإدارة العراقية في ما بعد الدكتاتورية. وسيسجل التأريخ ان العراق بعد سنوات قليلة لا تزيد على اصابع اليد الواحدة نجح في ان يجد المدخل الصحيح للكنز المخبأ في باطن الأرض، وتحول من بلد مريض غارق في المشكلات والأزمات والحروب، تغطي سماءه وأرضه المجازر والأحزان والفاقة وتكبله عشرات القرارات الدولية بالعقوبات والحظر والتعويضات الباهظة، الى البلد الذي تشير اليه اوبك بأنه البلد الذي بوسعه طمأنة السوق العالمية لتلبية حاجات العالم من النفط.
بعد سنوات قليلة على تخلصه من الارث الدكتاتوري اصبح بوسع العراق ان يزيد من معدلات انتاجه النفطي بما يصل الى مليون برميل يوماً كل نهاية عام. ويراكم من هذا القدر من الإنتاج الزائد ما بين 40 الى 50 مليار دولار سنوياً فضلاً عن تأمين الميزانية التشغيلية الوطنية.
ان النمو العراقي لم يكن من صنع مجهول، بل هو استغلال حكيم للفرص المتاحة امام وطننا بسياسات جديدة ومتجددة. انه من صنع برنامج وطني للتنمية النفطية والغازية سمحت الظروف الراهنة بالتقدم نحو التحدي المطروح ومواجهته تمهيداً لوضع العراق على خارطة العالم من باب النفط والغاز. وهذا ما يجعل القطاع النفطي انموذجاً لبقية القطاعات في العراق.
ان الدولة العراقية اضحت رقماً اقتصادياً صعباً يتمدد وينعكس على الساحة السياسية. والمنجزات المتحققة على صعيد زيادة انتاج النفط العراقي ليصل الى سقف الملايين الأربعة نهاية هذا العام مع آفاق هائلة لاحتلال موقع متميز في سوق الغاز وصناعته وضعت العراق على طاولة واجندة صناع سياسات الطاقة.
هذا كله يتحقق في ظروف عالمية تتميز بالحساسية الفائقة تجاه التغيرات الحاصلة في هذا القطاع وما تعكسه على اسعار الإنتاج حيث الإقليم العراقي والخليجي والإيراني الذي يكاد يخرج من حقبة الإزمات السياسية المستعصية بمخلفاتها ونتائجها المقلقة، فضلاً عن تأثيرات الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم الغربي والدول المتقدمة قبل خمس سنوات وهي ازمة ما تزال تبعاتها تجثم على كيانات اكثر من دولة اوروبية وتهددها بالإفلاس.
ان النهضة العراقية المشهودة جذبت انتباه واهتمام شتى الدول في الفضاء القريب اي الإقليم شرق الاوسطي، وفي العالم. واليوم اصبحنا نرى ونلمس كيف ان الشركاء الكبار في قطاعات النفط والغاز والعواصم الكبرى تفسح في المجال للدور العراقي وتراهن عليه في تلبية الحاجات الدولية والطلب العالمي على الطاقة.
في هذا الملحق نقدم للقارئ الكريم صورة تفصيلية لما يحصل في قطاع الطاقة من خلال المنجزات والتوجهات الجديدة للدولة سواء على صعيد الإنتاج وفلسفة جولات التراخيص، ام على الاصعدة الاخرى كالتنقيب والتكرير وطاقة الخزن والحفر والاستكشاف.