دأبت الدول العربية الإسلامية _ للأسف _ على جعل اليوم الأول من العام الهجري عطلة رسمية وأسبغت عليه وصفاً غريباً إذ سمته ( بعيد الهجرة النبوية ) مع أن هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة لم تكن في شهر محرم الحرام وإنما في شهر ربيع الأول بإجماع المؤرخين ) .
ويستعد شيعة أهل البيت عليهم السلام، في كل مكان متواجون فيه، شرقاً وغرباً ، لإحياء هذه المصيبة بإقامة مجالس العزاء ، ويقول سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله :
( إن الحسيني الحقيقي هو من يجنّد نفسه لخدمة عقيدته ودينه ، وينشط في الدفاع عن الحق والعدل والإنسانية المعذَّبة .
إن المجالس الحسينية هي محطّات تربية وتوعية وتثقيف وليست كما يستغلها بعض الأميين ليبثوا من خلالها الخرافات وما لم ينزل الله به من سلطان ) .
شهر محرم الحرام ، هو شهر عاشورء الإمام الحسين عليه السلام ، هو شهر الدموع الصادقة ، تلك الدموع التي تُسجَّل لصاحبها فتكون خير ذخيرة له يوم لاينفع مال ولابنون ، والدموع إعلان حيّ عن الولاء الصادق لأهل البيت عليهم السلام ، وتعبير واضح لمواساة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيت النبوة وأصحابه الكرام .
وإن قيمة الدموع يعرفها المخلصون المؤمنون ، يوضحها سيدنا العلامة الصدر ، حفظه الله ، بقوله :
( لن أبيع قطرة من دموعي بملء الأرض ذهباً …
وأن الدموع المنسابة بحرارة وعمق على مصيبة الحسين عليه السلام هي أغلى من مناجم الذهب كلها يقيناً ، لأنها تعبير عن ما يحتله الإمام الحسين عليه السلام من مكانة فريدة في الوجدان ، والإمام الحسين عليه السلام سفينة النجاة فما قيمة الذهب ؟ وهذا الحب المتأجج والحزن المتوهج فيه معنى المواساة الصادقة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولأمير المؤمنين عليه السلام وللزهراء البتول عليها السلام ولأئمة الهدى من أهل البيت جميعاً .
وفيه معنى الرفض لما وقع عليهم من ظلم ولكل ما يقع من ظلم على وجه الأرض .
وفيه معنى الرقة والإنسانية والتفاعل مع جراح ريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة وجراح الإنسانية .والرقة لاتعرفها قواميس الحضارة المادية على الإطلاق وبالتالي فإن دمعتي على الحسين عليه السلام هي هويتي وذخيرتي.
وأسأله تعالى أن يكتبنا _ وإياكم _ من البكاّين على الحسين عليه السلام فهو _ روحي فداه _ عبرةُ كلّ مؤمن ومؤمنة ) .
في كل جيل ، وفي كل عصر ، هناك قراءة للإمام الحسين عليه السلام ، ونهضته المباركة ، ولكن كيف نقرأ الإمام الحسين عليه السلام ، وهو تساؤل يجيب عليه سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله :
( هناك لونان من القراءة :
أولهما : القراءة السريعة الخالية من التأمل في المواقف والأحداث والبعيدة عن التحليل والاستنباط واستلهام الدروس والعبر و، وهذه قراءة باهتة .
وثانيهما : القراءة الواعية المقرونة بالتدبر والتفكير في كلّ مفردة من مفردات السيرة ، وهذه هي القراءة المطلوبة من ذوي الفهم والثقافة والقدرة على التحليل والاستنتاج وصولاً إلى انتزاع الثمين من الدروس والتجارب ) .
ويتساءل سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله : ماذا يعني حب الحسين عليه السلام ؟
حب الحسين عليه السلام يعني كل شيء ،،في الدين والدنيا ، في الأباء والتحرر من العبودية ، في الحفاظ على الكرامة الإنسانية ، والحفاظ على المنهج الصحيح للعقيدة ، في عدم الرضوخ للظالمين ، في الوقوف الى جانب المظلومين ، في نكران الذات ، والتعالي عن الأنانية المقيتة ، في حب الخير ، والسمو الروحي والأخلاقي ، والابتعاد عن الدنايا ، وفي النظر إلى الدنيا على أنها مرحلة من عمر الإنسان ومن وراءه الدنيا الآخرة ، الحسين عليه السلام يعني كل معاني الصدق والثبات على الحق وإن كانت الضريبة كبيرة .
يقول سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله :
مخطئ من يعتقد أن حب الحسين عليه السلام محصور في نطاق جغرافي مُحدّد ، أو في شريحة بشرية معينة ذات لون مذهبي خاص .
إن الإمام الحسين كسّر كلَّ الحواجز الجغرافية والزمانية ونفذ إلى وجدان الأحرار فأصبح مهوى القلوب والافئدة ، فهو إمام الأحرار ورائد الثوار الواعين :
أرى التأريخَ يمشي مُسْتطيلاً
وفَوقَ جَبِينِهِ ألَقُ الحسينِ
تحدّى بالشهادةِ ظالميهِ
وَوفّى للمكارمِ كلَّ دَيْنِ ) .
عظم الله اجورنا واجوركم بمصاب سيد الشهداء ورزقنا وإياكم شفاعته يوم الورود .
من تلميذه المخلص :
محسن حسن الموسوي
حسين الصدر