رغم قرار مجلس الأمن بإدخال المساعدات الدولية
الصباح الجديد ـ متابعة :
بعد اجتماع مجلس الأمن الخاص الذي جدد “تفويض الأمم المتحدة لإدخال المساعدات إلى سوريا”، والذي حكر دخول تلك المساعدات عبر معبر “باب الهوى” بين سوريا وتركيا، فإن قرابة خمسة ملايين سوري من المقيمين في منطقة شمال شرق سوريا، والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، يفقدون المزيد من الأمل بإمكانية حدوث تغيير في أحوالهم المعيشية.
المداولات التي جرت بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي كانت توصلت إلى طريق مسدود، وذلك لرفض روسيا الموافقة مشروع قرار مُقدم من إيرلندا والنرويج، والذي كان ينص على تمديد تفويض الأمم المتحدة لإدخال المساعدات إلى سوريا، إضافة معبر اليعربية الحدودي مع العراق إلى نظيره “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، وهو أمر رفضته روسيا بكل تفاصيله، الأمر الذي قالت الأنباء إن الدولتين المُقترحتين عرضتا إمكانية التخلي عن معبر اليعربية، مقابل الموافقة الروسية على التمديد السنوي مثلما تسير الأمور بشكل دوري اعتيادي منذ العام 2014.
التوجه الروسي الأساسي يقوم على ثنائية طرح إيصال المساعدات الأممية عن طريق المناطق والمعابر السورية إلى باقي مناطق البلاد، وهو أمر ترفضه القوى الدولية، بالذات التي تتحمل المسؤولية المالية الأكبر لتقديم المساعدات، الولايات المتحدة كندا اليابان والاتحاد الأوربي، لأنها تعتبر ذلك بمثابة إعادة منح الشرعية لللحكومة السورية. كذلك كانت تعرض روسيا تفويضاً أممياً لمدة ستة أشهر فحسب، ولآخر مرة، وفقط لإجراء تفاوض بشأن آلية تقديم المساعدات عن طريق المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. فحدثت مساومة اليوم، بحيث تنازلت الولايات المُتحدة وحلفاءها عن موضوع معبر اليعربية، مقابل الموافقة الروسية على تمديد التفويض لمدة عام كامل.
منطقة شرق الفرات، التي تُقدر مساحتها بحوالي ربع مساحة سوريا، وتضم أكثر من خمسة ملايين مواطن سوريا، هي المنطقة الوحيدة التي لم تدخلها المساعدات الدولية منذ أن أقر التفويض الدولي منذ العام 2014. بالرغم من أنها أكثر مناطق السوري فقراً وتراجعاً في مستويات التنمية، وفوق ذلك تتعرض لحصار اقتصادي من قِبل تركيا منذ سنوات.
الباحث في مركز الشرق للدراسات السياسية درغام بهاري شرح في حديث صحفي الظروف المحيطة بسكان منطقة شرق الفرات خلال الفترة الماضية: “كانت الأحوال المعيشية في تلك المنطقة مُيسرة خلال السنوات الماضية، إلا أن عاملين مركبين أحدثا تحولاً في ذلك. فقانون العقوبات الأميركي “قيصر” منع الإدارة الذاتية في تلك المنطقة من بيع المستخرجات النفطية إلى الحكومة السورية، وتالياً صارت الخزينة العامة لهذه الإدارة، والتي كانت تدير فيها المئات من مؤسساتها وأكثر من ربع مليون من موظفيها العموميين، وتقدمت خدمات صحية وتعليمية واقتصادية، صارت تلك الخزينة شبه خاوية”.
ويضيف الباحث بهاري في حديثه “كذلك فإن الجفاف وانحسار الأمطار خلال السنة الماضية في تلك المنطقة، حرم القاعدة الاجتماعية الأوسع من السكان من الحصول على الحد الأدنى من الحاجات الغذائية بشكل يومي، وسوف يُثبت أي استقصاء ميداني أن الأغلبية من السكان لا يحصلون على كفايتهم الطبيعية من السعرات الغذائية، خصوصاً في الأرياق الجنوبية والشرقية من المنطقة”.
تصر روسيا على عدم إدخال المساعدات إلى تلك المنطقة بالذات، لعدم منح الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا مزيداً من الشرعية والقوة، حيث تعتبرها المنافس السياسي والعسكري الأبرز للحكومة السورية، حليف روسيا. كذلك فإنها تعتبر أن منطقة شرق الفرات خاضعة لنفوذ الولايات المتحدة، وتضييق الخناق عليها ستدفع الطرف الأميركي للتفكير بتقديم تنازلات لروسيا في سبيل حلحلة الأوضاع فيها، خصوصاً وأن الولايات المتحدة تعتبر تكريس الاستقرار في تلك المنطقة جزءا من محاربة الإرهاب.
مفاوضات “مجموعة إستانا” التي تضم كل من روسيا إيران وتركيا، والتي اختتمت في العاصمة الكازاخستانية “نور سلطان” يوم أمس اجتماعات جولتها السادسة عشرة، لم تتعرض في بيانها الختامي إلى موضوع المعابر الحدودية وإعادة تجديد التفويض الأممي بإدخال المساعدات إلى سوريا، وهو أمر قال المراقبون بأن دليل على وجود توافق غير معلن بين الدول الثلاث بشأنها.
مصدر رفيع من داخل الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، أوضح رؤية إدارته للأمر “ثمة معطيات تفصيلية بالنسبة لنا، تقول إن الدول الثلاثة متوافقة تماماً على حصار منطقة شرق الفرات، تجويع سكانها من أجل انتزاع تنازلات سياسية من قوات سوريا الديمقراطية. والإدارة لا تملك أوراق ضغط للدفاع عن سكانها، خلا بعض الدور الذي لا تمارسه الولايات المُتحدة بشكل جدي. لكن الجميع يعرف، بالذات الدول المسؤولة عن تدفق المساعدات، أن هذا النوع من الضغوط الاقتصادية هي دافع رئيسي وجوهري لزيادة مستويات العنف وقدرة التنظيمات المتطرفة على جذب الشباب القانطين من أحوالهم، وهذه مسألة تمس الأمن القومي لكل هذه الدول، بالذات الولايات المُتحدة ودول الاتحاد الأوروبي”.