الاشتراطات الأميركية والدولية: مرحلة ما بعد الانتخابات

أشرف العجرمي*

بعد أن أصبحت الانتخابات الفلسطينية أقرب إلى التحقق من أيّ وقت مضى، وبعد أن أظهرت كل الفصائل والقوى الفلسطينية رغبة جادة في إجراء العملية الانتخابية، وكذلك في ظل تصميم الرئيس محمود عباس على عدم الخضوع لأيّ ضغوط لتأجيل أو إلغاء الانتخابات، بدأت أوساط إسرائيلية وأميركية عملية التشويش المسبق على نتائج الانتخابات المحتملة، خاصة مشاركة «حماس» في الحكومة والمؤسسات الفلسطينية. وتظهر هذه الأيام توصيات وأوراق موجهة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بوضع شروط على السلطة الفلسطينية بعدم تقديم الدعم للسلطة، وحتى تحديد العلاقة معها بناء على إلزامها لحركة «حماس» بشروط الرباعية الدولية لإدخالها في المؤسسات الفلسطينية المختلفة، بدءاً من المجلس التشريعي مروراً بالحكومة وانتهاءً بالمجلس الوطني.
في الواقع، هذه الاشتراطات ليس فقط عفا عليها الزمن من جهة أن الاتفاقات مع إسرائيل تآكلت ولم تعد قائمة إلا في حدود ما ترغب به إسرائيل. بل وكذلك لأن المصلحة الوطنية العليا فوق كل الاعتبارات في ظل انغلاق الأفق السياسي لأيّ إمكانية للتوصل إلى تسوية سياسية عادلة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فلو عدنا إلى الوراء لاتفاق «أوسلو» الذي يراد لـ»حماس» أن تلتزم به على سبيل المثال، فهو لم يطبق من الجانب الإسرائيلي في معظم أجزائه، وأهمها على الإطلاق وخاصة النبضة الثالثة للانسحاب التي بموجبها ينبغي على إسرائيل أن تنسحب من معظم مناطق (ج) باستثناء المستوطنات والمناطق العسكرية التي يجب أن تحدد مساحتها بدقة. وهذا لم يتم، بل أصبحت هذه المناطق مباحة للاستيطان المكثف ولمصادرة المزيد من الأراضي وتهجير المواطنين الفلسطينيين منها. وحسب «أوسلو» أيضاً من المفروض حل الإدارة المدنية وما يحصل هو توسيع دورها وصلاحياتها. كما لم تلتزم إسرائيل باحترام سيادة وسيطرة السلطة الفلسطينية في مناطق (أ) التي تستباح على مدار الساعة من قبل قوات الاحتلال بالاجتياحات والاعتقالات والقتل وهدم البيوت، وغيرها من الإجراءات الاحتلالية.
ولو نظرنا في الخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية، فمن هي الأحزاب التي تحكم في إسرائيل وتؤيد تسوية سياسية على أساس قواعد الشرعية الدولية، بما يضمن حصول الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة الخاصة به في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 وعاصمتها القدس؟ ومن هي الأحزاب التي تؤيد قرارات الأمم والمتحدة التي بدأت على أساسها العملية السياسية، بل ما هي الأحزاب التي تؤيد اتفاق «أوسلو» من الأطراف السياسية الحالية أو المحتملة لتشكيل الحكومة القادمة؟ والحقيقة إن غالبية الأحزاب السياسية الإسرائيلية القائمة لا تعترف بحل الدولتين، ولا تؤيد «أوسلو» إلا في الشق المتعلق بالتنسيق الأمني مع إسرائيل وضمان هيمنتها على الموارد والأرض الفلسطينية. لذا من غير الواقعي والمنصف مطالبة أي طرف فلسطيني في الحكومة أو خارجها بالاعتراف بما لا تعترف به إسرائيل ولا تقيم له وزناً، هذا بالنسبة للاعتراف بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل.
أما فيما يتعلق بالالتزام بوقف العنف الذي يسمونه «الإرهاب»، فيكفي أن جميع الفصائل الفلسطينية وقعت على اعتماد المقاومة الشعبية وسيلة للكفاح ضد الاحتلال، فهل تلتزم إسرائيل بقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أم أن الالتزام هو حصري على الطرف الضعيف الخاضع للاحتلال؟ فكيف يطالب هذا الطرف، الذي لا حول له ولا قوة، بأن يخضع للاحتلال ويلتزم بكل ما يمليه عليه، ولا يبدي حتى معارضة سياسية أو حتى دبلوماسية أصبحت في عرف إسرائيل «إرهاباً دبلوماسياً»؟ حتى بات الانضمام لمعاهدة روما وللمحكمة الجنائية الدولية ضرباً من الإرهاب والعدوان الفلسطيني ضد «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط!
والمجتمع الدولي بتغطيته على عدوان الاحتلال الإسرائيلي وعدم معاقبته على جرائم الحرب التي يرتكبها، خاصة الاستيطان وتغيير معالم وخارطة الأراضي المحتلة، وقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة ومتواصلة إقليمياً، يمارس معايير مزدوجة في التعاطي مع المشاكل والأزمات الدولية. وهذه أكبر المشاكل التي يواجهها الفلسطينيون المطالبون بالامتثال لأقصى درجات الانضباط والمعايير التي تتجاوز حتى ما يمنحه لهم القانون الدولي في مواجهة الاحتلال؛ لأننا أصبحنا سلطة تمول من مانحين يشترطون علينا ما يفوق طاقتنا. حتى بات مطلب الضغط على إسرائيل ومعاقبتها ومقاطعتها يعتبر نوعاً من «العداء للسامية»، ولو في إطار سلمي غير عنيف وينسجم مع قواعد الكفاح السياسي المشروع المطبق على مستوى الكون في حالات أقل حدة من حالة الاحتلال الوحيد القائم على وجه الكرة الأرضية من القرن الماضي.
وعليه يجب على الفلسطينيين أولاً أن يرفضوا قطعياً أي اشتراطات أو معايير تطلب منهم ولا تطلب من إسرائيل ومن أحزابها. فالالتزام بالاتفاقات يبدأ بتطبيق إسرائيل لها بحكم أنها القوة القائمة على الاحتلال والشعب الفلسطيني هو الضحية. وثانياً، من المفروض أن يبدأ الآن التحضير لعمل كفاحي سياسي ودبلوماسي وشعبي على الأرض في مواجهة الاحتلال ومشروعه الاستيطاني؛ لإقناع العالم بالتدخل وفرض التسوية على إسرائيل ولا سبيل آخر لنا. ولا يمكن أن نقنع الولايات المتحدة وأي طرف دولي بفعل شيء حقيقي من دون أن نرتب أمورنا ويصبح نضالنا أمراً واقعاَ يحس به الجميع. فالدعوات والرجاء لا يمكن أن تنجح في شيء.

  • عن صحيفة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة