منور ملا حسون
الشعر لغةٌ معبرة توحي بأنها وسيلة للوصول الى أعماق المتلقي دون استئذان . هذا لأنها كالمعجم له كيان خاص مميز لا يتوفر في الفروع الأدبية الأخرى .
هذا إضافة الى أن الشعر يتمتع بلغة الموسيقى التي تنساب من خلال دلالاتها وألفاظها وجماليتها الفنية .. إذ أن الشاعر « ينقل الكلمات ذات الإيماء الفني « *
من خلال استقراء ديوان ( لغة الأمواج ) للشاعرة نور الدليمي ، ظهرت مجموعة ألفاظ ناطقة بصرخات الحب واللوعة .. وصور إيحائية مليئة بالجمالية وشغف الأنثى .. تلك الألفاظ التي تعزف نغمات الحب التي نثرتها أعماق الشاعرة في قصائد عمودية .
ففي قصيدة ( تنغيمات أنثى البحر) تبث صرخات روحها الهائمة في بحر الغزل بالآخر حيث لوعة الحب يُشعل الجسد ، فتتناغم نغمات الحب مع مفرداتها التي تبثها أعماقها ، وهي تزغرد بلوعة الشوق / ص 5
سيزغرد شوقي في جسدي
ويطوف بكل الأمصار ِ
يا أنت ونحوك تجذبني
وبروحي رقص الأطيار
وقد شاعت في قصائدها ألفاظٌ تنطق بتجربتها الوجدانية العميقة . ومن تلك الألفاظ
( عشقتك / الحلم / عشقي / احترفتك / حد الجنون / هواه / اشتهائي / أحبك )
تلك الألفاظ التي تتنوع في الدلالات من خلال الصور الشعرية , ووفق السياقات الواردة فيها .. ففي قصيدة ( صوت القلب ) ص 51
تقول :
أتاني على هفهفات المساءِ
نداؤك حتى استثار هنائي
وطرتُ أنا عبر صوت الأثير
ألملمُ نفسي بثوب الحياءِ
هنا نجد تفاعل ذات الشاعرة مع وعيها الحسي وبإيحائية ناطقة بالغزل الدفين ، وهي تلملم النفس بثوب الحياء حين أتاها نداؤه الذي استثار هناءها ..
وفي مقطع من القصيدة نفسها تقول :
بكل جنوني أريدك أنت
وليس سِواك أرى في رجائي
أُريد التوسل كي لا تغيب
وتترك روحي بسجن الجفاءِ
فالنص يكمن فيه شوق الشاعرة الحالمة بكل جنونها ، وفق سياق تخيلي وبنداءٍ توسلي بالآخر ، وبتفاعل رومانسي الإيقاع في متن النص .
فالشاعرة استخدمت أنساقاً حسية بين ( الجنون والتوسل ) وهي تحاول توظيف المفردات التي تسعى من خلالها الى هندسة خارطة أشواقها ..
وعملية الإبداع الشعري تخلق بناءً هندسياً تبث الشاعرة من خلال فضاءاتها تجربة جمالية أخرى دون الاكتفاء بإيحائية العشق والشغف وعوالمها الحالمة .. ذلك العشق المتأصل في ثنايا كل قلب وفيّ ، حين يكون عشقه خروجاً عن الذات … ألا وهو ( الوطن ) ففي قصيدتها ( ستبقى مهاباً ) ص87 تبث أشواقها المزينة بالاعتزاز بأرض الوطن المهاب إذ تقول :
باقٍ وتبقى مُهابا أيها الوطنُ
مهما تكالبتِ الأيام والمحنُ
لن تنتهي ودمُ الفرسان منسفكٌ
على ثراك وفينا يعصف الزمنُ
ولابد من الإشارة الى أن لكل شاعر إحساس الانتماء للأرض .. وهو كلٌّ لا يتجزأ من النَفس الرومانسي ..ذلك الانتماء الساكن في دواخله زماناً ومكانا. حيث يبث من خلاله مشاعر ممزوجة بالحنين والانصهار .. وتتجلى ذلك في قصائد الشاعرة ( نور أحمد الدليمي ) من خلال ألفاظ ومفردات لغوية منها ( وجع العراق / الجراح / سوح / العلا / الرجولة / مهاباً / المجد / المحن / ثراكَ …) .
وكل هذا يزيد من الإمتاع اللغوي ، وكما يقول (بول فاليري ) « اللغة فن الشعر « إذ لم تفتعل الشاعرة الغموض ، ولم تقم السدود بين قصائدها والقراء .. بل تبث كلمات ندية في كل الفصول ، مقرونة بمشاعر تعكس حب الوطن ، وهي ترسم وجع المعاناة :
وجع العراق ص ( 49)
وجعُ العراق بأضلعي يتصدّع
وبه نتوه وبالجراح نلوّعُ
كما وتقول في القصيدة نفسها :
كنا فقدنا الأمن في سوح العُــلا
وعلا على صوت الرجولة مدفعُ
شطّتْ بنا دار الأحبة مُذ نـــأى
عنّا الأمان وصار حلماً يجزعُ
إن المتأمل في تلك الأبيات يجد الطابع الحزين والرؤيا القاتمة ، وهو إحساس ممزوج بقوة العاطفة ، والمقرون بتداعيات الواقع المر .. فالشعر الحقيقي يكون مشحوناً بالوعي من خلال الدلالات التي تتمخض بمعان ٍمتشحة بالأسى النابع من الواقع المعاش لتصوغه أنامل الشاعرة إبداعاً ..
وبهذا توجت الشاعرة تجربتها الشعرية بنتاجها البكر ( لغة الأمواج ) بلغة حسية عالية تؤثث لنفسها رسوخاً في الذاكرة ..