الاعتدال طريق سالك صوب تحقيق الصواب

أحلام يوسف
هناك عدة حكم واقوال وايضا قصائد غنائية تتناول موضوع كلام الناس ولعل اشهرها ما ذكره الامام الشافعي في مقولة رائعة جسد فيها حكمة مفادها اننا طالما نعيش في مجتمع فعلينا احترامه لكن بحدود المعقول، وان ارضاء الكل غاية لا تدرك.
يقول الشافعي في مقولته: “ضحكت فقالوا ألا تحتشم ؟ بكيت فقالوا ألا تبتسم ؟.. بسمت فقالوا يرائي بها عبست فقالوا بدا ما كتم.. صمت فقالوا كليل اللسان نطقت فقالوا كثير الكلم.. حلمت فقالوا صنيع الجبان ولو كان مقتدرا لانتقم.. بسلت فقالوا لطيش به وما كان مجترئا لو حكم.. يقولون شذ ان قلت لا وإمعة حين وافقتهم.. فأيقنت أني مهما أريد رضى الناس لا بدّ من أن أذم”.
كلام الناس حالة تؤرق الكثير منا، بغض النظر عن ايماننا بصحة هذا الكلام، او تقاطعنا معه، لذلك قد قال وليام شكسبير حياة يقودها عقلك.. افضل بكثير من حياة يقودها كلام الناس. فالعقل هو ما يساعدنا على التمييز بين الصواب والخطأ، اما كلام الناس، فهو غالبا ما يكون لأسباب بعيدة عن التقويم والإصلاح والنصح، لكنه طريقة لتسيير الاخرين حسب معتقداتنا وآرائنا نحن.
الى أي مدى نرضخ الى اهواء المجتمع ونكون أسرى لكلام الناس؟
تقول منار النجار الباحثة بعلم الاجتماع: “نحن في مجتمع ثرثار، فمن لم تتزوج يطرحون عليها سؤالا ساذجا “متى تتزوجين”، وكأن الموضوع بيدها هي دون سواها، وعندما تتزوج يستمرون بطرح سؤال “هل حملت ام ليس بعد؟” وعندما تنجب يلحون عليها بان انجبي اخا او اختا، ومن ثم يتحدثون عن جنس المولود، فالبنت تحتاج اختا، والولد يحتاج اخا له، اذن فهي ملزمة حسب آرائهم بإنجاب أربعة أولاد في الاقل، ما ينتج على لوم المجتمع فيما بعد بأن الزمن صعب، وكان عليها ان تنجب طفلا او اثنين، اذن فعلينا ان نعي شيئا واحدا، سعادتنا وآلامنا، نحن من يتحملها دون سوانا، وبالتالي فيجب ان تكون آراؤنا وحدها الفيصل، طالما نستطيع التمييز بين الصح والخطأ، وبين المقبول اجتماعيا وغير المقبول، فالثورة على التقاليد والأعراف بنحو مطلق تتسبب بردود أفعال غير محمودة، لكن يجب ان تكون منطقة الوسط، طريقنا للوصول الى الغاية المنشودة إرضاء المجتمع والنفس”.
كلام الناس، القيد الذي يمنع عنا السير بطريق الخطيئة! هذا ما ذكره مهند البدري، موظف متقاعد، يقول: كل واحد منا ان لم يخف من الكلام والذم والانتقاد سيسير بطريق الخطيئة، من دون خوف او محاسبة من ضميره، ولأضرب لك مثلا، لو ان أحد فكر بسرقة ما من دار او محل، ما الذي يخطر بباله اول الامر؟ الفضيحة، والفضيحة تعني كلام الناس ولومهم له، ونظراتهم التي سيرمقونه بها، اذن فكلام الناس ليس قيدا سيئا بالمطلق بل احيانا يكون مفيدا في مثل هذه الحالات والحالات المشابهة، بل هو حاجة لكل مجتمع، ليكون رادعا عن فعل الخطأ، خاصة ان كان الخوف من المجتمع اكبر من الخوف من الله.
قد يوافق الكثير منا رأي البدري، لكن، ان كان كلام الناس رادعا بالفعل من باب الخوف من الفضيحة، اذن لِم لَم يردع اللصوص الذين تنتشر صورهم وفيديواهاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟ لم تتكرر تلك السرقات مع ان الكل عرف بوجود الكاميرات وبفضيحة هؤلاء اللصوص؟
يقول العالم الفيزيائي ستيفن هوكينج: هو قول الطبيعة لنا، بأن عقل الإنسان قابل على ان يضاعف معدل عمله بنحو هائل اذا ما احتاج لذلك، إذا أردت رفع إصلاح الناس، فحرّض عقولهم على العمل لا عضلاتهم.
اذن فالعقل هو المدبر والمسير الحقيقي لنا لفعل شيء وللامتناع عن غيره، الضمير الذي لا اجد تعريفا ماديا له، لكنه مرتبط بنحو ما بالعقل، ما يساعدنا على التمييز بين الخطأ والصواب، فالصواب يتمثل باحترام المجتمع والبيئة التي ننشأ بها، وان يكون لنا رأي خاص نعلنه على الملأ في حال كان صائبا حتى وان رفضه المجتمع، فالتغيير المجتمعي يبدأ من كل فرد منا، يعرف معنى الحرية ومساحة الحرية التي يجب ان يتمتع بها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة