يطل علينا اليوم الأستاذ العزيز والصديق فوزي عبد الرحيم السعداوي في سلسلة من النصوص المميزة عن العراق وبغداد والحركة السياسية في فترات سابقة، حيث لم تغط الأدبيات المتصلة بها ذاكرة العراقيين. والأستاذ فوزي كان مساهماً متميزاً على صفحات “الصباح الجديد” وضيفاً عزيزاً على ملحق “زاد” على وجه التحديد قبل ان يمتحنه الله بحادث مؤلم جعله يعتزل الناس كمداً وحزناً … ونحن حزنا لحزنه وندعو الله ان يزيح هذه الغمة عن صدره. واذ كنا نتابع الصديق فوزي السعداوي خلال عزلته وجدنا ان ثمة نافذة جميلة قد فتحت ملؤها الأمل والتطلع الى الحياة من جديد .. ومن هذه النافذة كتب صديقنا سلسلة من النصوص الحميمة ومنها المذكرات النادرة التي سلط خلالها الضوء على عدد من القضايا التي انطوت على رؤيته للماضي والأحداث بما يجعل منها مادة مهمة وغنية بالأفكار والتحليلات. وهنا نمد يدنا للعزيز فوزي مصافحين ومرحبين على أمل ان تتسع هذه النافذة الى المزيد من البوح والذكريات العزيزة علينا جميعاً.
اسماعيل زاير
شيء عن أبي
فوزي عبد الرحيم السعداوي
أتوقف عن سرد حلقات ذكرياتي عن الشارع واشيائه برغم أني أنصح خاصة الشباب من اصدقائي الاطلاع عليها بصفتها وثيقة قد لا تتوفر دائما احتراما لذكرى عبد الرحيم السعداوي الذي رحل في مثل هذه الايام من العام ١٩٦٥ بشكل دراماتيكي مفجع ومبكر وهو بالكاد بلغ الخمسين من عمره بمرض السرطان الذي اعاني منه انا الان متاسيا بآلامه وأوجاعه.. أنا لا اتحدث عن عبد الرحيم السعداوي الاب فلربما لم يكن ذلك الاب الناجح…انا اتحدث واكرم السعداوي المناضل المغبون والمجهول الذي بذل حياته وماله في سبيل ولهه بالشان العام وحب بلاده وناسها عبر عمله السياسي الدؤوب الناكر للذات في حزب سياسي على رغم احترامي لخياره لربما كان اقل من قيمته الحقيقية. عبد الرحيم السعداوي الذي غادر عالمنا من دون ان يتمتع الا قليلا بشأنه الخاص في حين غلب عليه حب الآخرين والمكان ولعاً ووجعاً أغمض عينيه عن شأنه الخاص وهو صاحب السبعة أولاد وبنتين لم يرهما الا عبر انتمائه السياسي وقضيته العامة….. اتذكره الان وارغب بشده بتكريمه ليس كاب فذلك تقليل لقيمته انما كمكافح في سبيل التحرر والديمقراطية والكرامة والانسانية في وقت مبكر من التاريخ النضالي لهذه البلاد التي كانت يوما ما عظيمة…عبد الرحيم السعداوي الذي بكر في معرفة الافكار التقدمية في مدينته الفراتية فالتزم بالحزب الشيوعي العراقي حيث تقول ذكرياته الشفوية ان فهدا زاره وبات عنده يوما واحدا كما ان داود الصائغ زاره أكثر من من مرة لاسباب اجهلها اذ ربما اصبح من مريديه بعد خروجه من الحزب الشيوعي الذي اجهل لماذا لم يعد يمثل جزءا من طموحه السياسي ،لكن التاريخ الشفوي الذي احتفظ به بعض اصدقائه يشير الى انه حضر المؤتمر الاول للحزب الشيوعي حيث جرى وصفه بشخص يرتدي ملابس عربية وذلك حسب رواية شريكه وبلدياته والعارف بخصوصياته الراحل الكريم معطي يوسف… لقد امن السعداوي بالديمقراطية كاولوية على حساب الاولويات الاخرى تحت تاثير شخصية كامل الجادرجي التي امن به واخلص له حتى اللحظات الاخيرة من حياته… قدم الى بغداد من مدينته الفراتية ليس طلبا للرزق كما يفترض ولكن فقط لينتمي للحزب الوطني الديمقراطي لكن النخبة الارستقراطية للحزب رفضته ووجدته لا ينتمي لها حين قال له سكرتير الحزب حسين جميل بجفاء انت مخطئ فهذا ليس الحزب الشيوعي بل الوطني الديمقراطي فاذهب حيث تنتمي ..كان حسين جميل الذي مثل على الدوام الجناح اليميني في الحزب الوطني الديمقراطي له سابق معرفة بالسعداوي الذي اقام ماتما كبيرا لشهداء وثبة كانون ١٩٤٨ في مدينته الفراتية حضرها وفد من بغداد على رأسه حسين جميل..انتمى السعداوي للحزب الوطني الديمقراطي بدعم من زعيم الحزب الجادرجي الذي كان له راي اخر بالوالد اثبت لاحقا صحته حين قدم للحزب تجربته التنظيمية الحزبية السابقة التي لم تكن معروفة لدى ارستقراطيي الحزب الذين يجيدون سياسة الصالونات مما اهله لاحقا ليشارك هؤلاء قيادة الحزب ومن موقع تنظيمي اقوى. لقد كنت دائما لدي صورة معينة عن من هو السياسي ومن هو المناضل..على الدوام رأيت في محمد حديد صورة للسياسي الوطني ورأيت في عبد الرحيم السعداوي صورة المناضل وهما صورتان لم تعودا معروفتين. ايها السيد الجليل…ايها الانسان عطرك مازال في انوفنا…سلام لذكراك …سلام لذكرى حواريك الاكرمين الراحل الذي لا يثمن راشد الشواف والوفي معطي يوسف اللذين اوفوا بعهد الصداقة كما لم يفعل أحد.