اذا كان البعض يظن بأن ميدان العمل السياسي لا مكان فيه للأخلاق فإنه مخطئ وينبغي الوقوف عند هذا الرأي ومحاججته على وفق فرضية السؤال الذي نطرحه على الشكل التالي ..ما هو جدوى العمل في مجال السياسة؟ وما الذي يستهدفه السياسي من نشاطه ؟ ومن خلال معرفة الإجابة على هذين السؤالين سندرك اهمية احاطة العمل السياسي بالاطار الأخلاقي وتضمينه مبادئ اخلاقية فالسياسة بالمعنى الاكاديمي هي عملية تنظيم للحياة لصنع توافقات داخل المجتمعات البشرية والاجتهاد في وضع آليات لصنع الفرص بما يحقق الحياة الكريمة في أي مجتمع وبالتالي فان العامل في السياسة سيكون ممثلا لمجموعة من الأفراد تم اختياره وانابته من اجل العمل للوصول إلى مستوى مقبول أو مقنع لتحقيق تطلعات الجمهور الذي اختاره وهذا يعني في نهاية المطاف خدمة إنسانية وحياتية لابد من انجازها وتقديمها بمهنية ومن دون خداع حتى يمكن ارساء الثقة بين السياسي وجمهوره وحينما يكون المسؤول السياسي صادقا في وعوده وفي شعاراته واهدافه المعلومة ستتعزز روابط العلاقة وتتسارع وتيرة النجاحات في ميادين العمل المختلفة وفي الأنظمة الديمقراطية ثمة عقد اجتماعي ينظم العمل السياسي بين السلطة والشعب تختلف مضامينه باختلاف الدساتير لكنه بالمفهوم العام هو عقد اخلاقي اذا التزمت به السلطة وقادتها لأنها ستحظى بالرضا والقبول والدعم والمساندة من الشعب واذا اخلت ببنوده أو اخفقت في تنفيذ الالتزامات المترتبة عليها فأنها ستفقد شرعية وجودها وسيكون من حق الشعب استبدالها او ازاحتها بالوسائل المشروعة وهنا تكمن اهمية الالتزام الأخلاقي في تنفيذ بنود العقد الاجتماعي والحفاظ على المفاهيم والقيم التي تعاهدت عليها المجتمعات من اجل ديمومة العلاقة بين منظومات السلطة ومؤسساتها وبين الجمهور وحين تنهار الاخلاق ولا يتم الايفاء بالعهود فان الحائط الأخير الذي تستند اليه السلطة في أي دولة سينهار هو ايضا ولن يستطيع أي مجتمع أو شعب ان يدعي ويقول أن هناك دولة يمكنها أن تحميه أو توفر له حدا أدنى من الحياة الكريمة ..وفي العراق قدمت الطبقة السياسية الحاكمة نماذج حية للتفريط بالأخلاق والاساءة للسمعة من خلال الالتفاف على المواقف وخيانة العهود وانتهاك القوانين بنهجها السياسي القائم على الكذب والتزييف وخداع الجمهور والتسبب بالأذى والضرر للدولة ومؤسساتها من دون الشعور بالخجل ومن يتمعن بمسارات العمل السياسي لأحزاب السلطة في العراق خلال السنوات المنصرمة عامة وخلال الشهور والاسابيع الماضية خاصة سيتعرف على كيفية تفريط احزاب السلطة بأخلاق العمل السياسي والتفريط بسمعة قادتها وشخوصها وفقدانها لتأييد وثقة اتباعها والجمهور عامة وصار من المألوف المجاهرة بالقول ان هؤلاء الذين يديرون زمام السلطة لايخجلون من نكث الوعود والوفاء بالالتزامات ..!
د. علي شمخي