عقود من الزمن عاشها اغلب زعماء وممثلو القوى السياسية في العراق في الدول الاوروبية وفي الولايات المتحدة الاميركية تعرفوا فيها على منظومات حكم مختلفة وتعاملوا مع نخب سياسية كانت تدير المؤسسات في تلك الدول وكان الشعب العراقي يمني النفس بزوال ظلام الديكتاتورية ونهاية سنوات القمع والبطش بسياط الاستبداد ليستقبل بالأحضان هؤلاء الزعماء الذين دأبوا على تسويق العناوين والشعارات البراقة عن الديمقراطية والتعددية وكانوا كرماء في الافصاح عن الوعود بتحقيق الدولة الكريمة لجميع العراقيين التي يعز فيها العراق واهله وتنتهي فيها آخر قلاع جمهورية الخوف وما ان سقط ذك النظام حتى تدافعت تلك العناوين لتكريس جمهورية الاحزاب وتعميق المسميات الدينية والقومية والمذهبية وبانت بشكل واضح ملامح النفاق السياسي منذ أن تزاحم رجال العهد الجديد على ابواب الغرف الاميركية لنيل رضا السفير غارنز ومن بعده بول بريمر ومنذ أن تعاهدت الطبقة السياسية الجديدة على تقاسم المناصب ومن ثم الانتقال الى تقاسم المغانم وترك فئات الشعب العراقي المظلوم في المجهول وفي الوقت الذي انتظر الشعب سنوات أخرى تضاف الى سنوات الجمر التي اكتوت فيها الملايين بنيران الحروب وشظف العيش تحت وطأة عشر سنوات من الحصار الاممي كان رهط القيادة في النظام السياسي الجديد منشغلا بتدبيج الخطابات التي تثقف للطائفية وتهدد بعودة الديكتاتورية ومع ظهور التنظيمات الارهابية القاعدة ومن بعدها داعش توفرت لمنظومة الحكم السياسي الاجواء المناسبة لتسويق خطابات التخويف هذه وتوفرت الفرص المناسبة لتعميق المحاصصة الحزبية المقيتة ومنذ اكثر من خمسة عشر عاما تزايدت الهوة بين هذه الطبقة وبين الجمهور الذي صبر وتحمل وذاق الوان العذابات ووقف الى جانب السلطة ودافع عنها تحت كل الظروف وتعاظمت الخيبات وتحولت فرحة التغيير الى خيبة امل مع غياب المشاريع الاستراتيجية الخدمية ومع شيوع مظاهر الفقر وازدياد اعداد العاطلين عن العمل ومع الفشل الذريع في انتهاج سياسات امنية واقتصادية تجنب الشعب العراقي الوقوع في ازمات متلاحقة فقدت فيها آلاف الارواح وتبددت فيها مليارات الدنانير وتفشت صفقات الفساد بشكل علني تتحدث عنها في كل يوم وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية وفي ظل حركة الاحتجاجات الاخيرة تتكشف اكثر مكامن الفشل في الاداء السياسي لمن توارثوا سلطة ما بعد الاحتلال وتتأكد للشعب العراقي حقيقة مؤلمة هي ان من تسلم زمام الامور في بلادنا لم ينهلوا من ثقافة وحضارة البلدان التي عاشوا فيها ولم ينقلوا الى العراق سوى اطماعهم وجشعهم ونقمتهم وهم اليوم لا يريدون التفريط بما آتاهم الفساد من سحت حرام وليست لهم النية الصادقة بتعديل الاعوجاج ووقف الانهيار الذي قادنا الى هذه الفوضى العارمة والى هذه التضحيات الجسام .
د. علي شمخي