أسئلة حول محاربة الارهاب

سلام مكي *

يظل مسلسل التناقض الأميركي حيال موقف ايران من الازمتين السورية والعراقية مستمراً، فعندما اعترف رئيس اقليم كردستان عندما زاره وزير الخارجية الايراني بأن ايران تساعد الاقليم في حربه ضد داعش، لم تعترض على هذه المساعدة، ولكنها وتأييداً للموقف الاخر، تحفظت على دعمها لبغداد، وصورت الأمر على انه تدخل في الشأن العراقي، بما يدعم طائفة على حساب اخرى، فصورت الدعم الايراني لبغداد على انه دعم للشيعة فقط! ضد السنة. الأمر نفسه مع سوريا، حيث يعد تدخل ايران بالشأن السوري ودعمها الكامل للنظام من وجهة نظر واشنطن امرا لا بد من ايقافه، لأن هذا الدعم حسب وجهة نظرها، يسهم في اطالة امد الحرب لأنه يقوي النظام على حساب المعارضة. ولكن المفارقة ان العدو بالنسبة للطرفين السوري من جهة والعراقي والكردي من جهة اخرى هو داعش، فلماذا محاربة داعش من قبل ايران مرفوض في سوريا ولكنه مرحب به في العراق على ان يكون في كردستان فقط؟ اليس هذا تناقضا؟ حتى بالنسبة للدول العربية، فأغلبها يعد ان داعش هو العدو المشترك لها، ولكنها في الوقت عينه، تعد ايران العدو الاكبر، لذلك فهي تقبل بأن يبقى تنظيم الدولة الاسلامية جاثما على صدرها ولا ان تتدخل ايران. حتى في المؤتمرات الاخيرة التي عقدت في جدة وباريس حول توحيد الجهود الدولية لدعم العراق في حربه ضد داعش، لم تدع ايران برغم انها جارة للعراق وبإمكانها ان تلعب دوراً مؤثراً حيال الازمة العراقية ولديها مصالح كبيرة وعمق أستراتيجي مع العراق، ربما يفوق حتى الولايات المتحدة، لكن يبدو ان القوى الاوروبية وواشنطن لا تريد ان تخسر الدول العربية لأنها تعلم أنها لا يمكن ان تجلس مع ايران في طاولة واحدة، وليس ببعيد ان يكون الدافع الطائفي هو السبب الرئيسي لمعاداة ايران. مع ذلك ردت ايران بأنها ستبقى تدعم بغداد ودمشق بعيداً عما يجري في الساحة الدولية، التي اكتفت بالدعم الاعلامي فقط، وهذا الدعم الذي تسهم فيه دول تدعم الارهاب وداعش بشكل علني وفرنسا والوًلايات المتحدة يعلمان ذلك، لكن يبدو ان السياسة والمصالح بين الدول هي اسمى من اي اعتبار انساني. لو كانت المؤتمرات التي عقدت مؤخراً بحجة دعم العراق جادة في طرحها، لقدمت حلولا حقيقية ومعالجات لمشكلة داعش، بدلا من الاكتفاء بالتصريحات والخطابات، فهي تعلم جيداً ان هناك دولاً مجاورة للعراق تعد الممر لداعش وفي اراضيها تبث كبرى الفضائيات التي تدعم الخطاب التكفيري لداعش. ثم لا يعقل ان تتبنى دولة محاربة داعش وفي الوقت نفسه تشترك هذه الدولة مع فكر داعش بمشتركات كثيرة بل وتعد المنبع الفكري لها؟ ان اشتراك هذه الدول امر لا بد منه في المؤتمرات الدولية، ولكن تحت اي مسمى؟ هل تشارك بوصفها جزء من المنظومة الدولية والاقليمية التي ستحارب الارهاب؟ ام على اعتبار انها داعمة للارهاب ويجب التحاور معها في سبيل الكف عن دعمها؟ اذا كانت واشنطن جادة حقا في محاربة داعش، وفي الوقت نفسه لا تريد ان تقحم جيشها في حرب برية على الارض مرة اخرى، ان تعقد مؤتمراً اقليمياً الغرض منه تقديم تلك الدول لمكاشفة حقيقية بينها وبين العراق، تعلن فيها صراحة مطالبها وشروطها واسباب دعمها لداعش بدلا من اللف والدوران، وبالنسبة لفرنسا وغيرها من الدول الاوروبية، عليها اولا لكي تحارب الارهاب القادم منها، فالإحصائيات التي تقدمها صحف غربية تشير الى ان فصائل المقاتلين في سوريا تضم المئات من الجنسيات الاوروبية والاميركية الذين يقاتلون الى جانب داعش وغيرها. فعلى اوروبا ان توقف تدفق المقاتلين من دولها. وعليها ان تعاقب الدولة التي يدخلون سوريا عبر اراضيها. وهذا اهم اجراء تتخذه لإيقاف الدعم المستمر للمسلحين. وحسناً فعلت بعض الدول عندما سحبت جنسيتها من الذين يقاتلون في سوريا. ولكن ماذا عن الذين رجعوا الى بلدانهم بعد ان خاضوا تجربة الحرب هناك؟ الا تخشى الدول الغربية من نشوء جيل تكفيري على اراضيها يكون نواة لجماعات متطرفة فكريا؟ الا تعد خطوتها هذه متأخرة؟ مع ذلك سننتظر المقبل من الايام ليكشف لنا مدى تأثير الدعم الاعلامي للعراق في حربه ضد داعش وهل سيكون هذا الدعم دافعا نحو دحرها؟ هل ان حربنا مع داعش يكون عن طريق الحرب العسكرية فقط؟ بالنسبة للدول العربية
التي شاركت ورعت المؤتمرين: هل ستغير الخطاب الاعلامي للفضائيات التي تبث من اراضيها؟ هل ستلغي قناة الحدث التي تبث تتبع للسعودية تسميتها للجهة التي تسطير على الموصل بالثوار؟ هل سيتحد الاعلام العربي مع الاعلام الرسمي العراقي في الخطاب تجاه داعش؟ هل ستشهد داعش في الايام المقبل أزمة مالية بعد ان قطعت مصادر تمويلها وامتنعت الدولة التي تسهل لها تهريب النفط عبر اراضيها؟ هل ستنفد ذخيرة الدولة الاسلامية بعد ان فرضت الدول الاقليمية حصاراً عليها ولم تعد تزودها بالسلاح والعتاد بعد تعهداتها في المؤتمرين؟ هل ستلحق القوات العراقية والكردية الهزيمة بداعش لأنها ما عادت تملك ادوات النصر من تدريب على السلاح وخبرات في القتال وامكانيات كبيرة في استعمال شتى انواع الاسلحة؟ اذا كان السلب هو الجواب على الاسئلة اعلاه، فعلى الحكومة العراقية ان تعي ان أي حديث عن دعم واشنطن او المجتمع الدولي لها في حربها ضد داعش هو مجرد مسرحية لا اكثر، وعليها ان تجد بدائل لتساعدها في محاربة داعش. فهناك الجانب الروسي الذي وقف الى جانب العراق في اشد الظروف يوم تخلت عنه اميريكا عندما امتنعت عن بيع السلاح بحجة ان اعطائها السلاح للعراق لا يتم الا بعد ان تتصالح الحكومة مع اطراف معينة وان تتشكل هناك حكومة وطنية حسب مفهوم واشنطن للوطنية.

* كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة