لا يكفي ان يتعرف «المسؤول العراقي» الذي يزور الصين على منجزاتها الرائدة في البناء والاقتصاد والتكنولوجيا بل يلزم ان يأخذ شيئا من «علم المسؤولية» الذي يأخذ به كل من يعمل في هذه البلاد العظيمة.
في عهد الامبراطور شن الذي حكم الصين قبل اربعة آلاف سنة كان حكام الولايات يتخلون عن حراسهم واعضاء بطانتهم عندما يتسلمون مسؤولياتهم، وكان الامبراطور الحصيف قد منع الحكام التنفيذيين من «التحيز» لطائفة او ابداء العداء لأخرى. اما كونفوشيوس فقد كان يقول لقادة الجيش والحكومة: انتم مذنبون حتى يرضى عنكم الجميع.
نعم، لدينا أزمة مسؤولية، وهي مما نسميه «انعدام الغيرة» تضرب الاشخاص الموكلة لهم مهام الخدمة الوظيفية، وتظهر في احوال ومواقف لا حصر لها على مدار الساعة، باستثناء تلك المبادرات المحدودة «الغريزية» التي ينخرط فيها مواطنون وموظفون في اعمال غير مأجورة، ولا تمت تحت المناداة والمناشدة.
المسؤولية علم. من مسؤولية ادارة فندق الى مسؤولية ادارة حكومة. ومنذ اكثر من مائة عام بدأ علم الادارة والمسؤولية يغزو المعاهد والاكاديميات ورفوف الكتب، حتى ان العالم الفرنسي «سان سيمون» فضّل ان يشحذ شعوره بالمسؤولية دائما، حيث املى على حارسه ان يوقظه، كل صباح، بعبارة «انهض سيدي الكونت.. فان امامك مهام عظيمة لتؤديها الى البشرية» فيستيقظ بهمة، ممتلئا بشعور الغيرة على شعبه ومسؤوليته الادبية التي لم تكن سوى القراءة والتأليف والتبشير بفكرة السلام الاهلي.
وفي برنامج تلفزيوني اميركي عنوانه «علّمي طفلك المسؤولية» يحرص مقدّم البرنامج ان يقدم نماذج من مسؤولي الدولة الذين فشلوا في مهمتهم، وذلك لأنهم لم يوفروا الثقة بأعمالهم بين المحيطين بهم، وفي حوار ذي مغزى مع طفل (لم يكن ذكيا بالضرورة) عن رأيه في رئيس حكومة ولايته، يقول: لا احبه. انه يتكلم كثيرا. ويعد كثيرا. ويفزعني حين يطوّح بيديه كثيرا وهو يخطب».
في علوم المسؤولية، ان الحاكم يصبح خارج المسؤولية الاخلاقية والادبية عندما يعمل لـ»حساب نفسه وابناء فئته» واحسب ان الامام على سبق منظري هذا العلم بألف واربعمائة عام بمخاطبة مسؤولي ادارة شؤون المسلمين قائلا لهم: «اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم» ويقول ابن الخطاب عمر «لو ان شاة هلكت ضياعا في شاطئ الفرات لخفتُ ان اُسأل عنها».
علم المسؤولية يحرّم ادارة الدولة من خلال ردود الفعل.. هل نحدثكم عن مصائر الذين وضعوا سياساتهم على وفق تلك القاعدة الكارثية.. وماذا حدث لهم، وحل بنا؟.
اريك فريد
«لا تشكّ في من يقول لك انه خائف، بل خفْ ممن يقول لك أنْ ليس عنده شكوك».
عبدالمنعم الأعسم