ما بعد غزوة آرامكو..

سترسم تداعيات ما بعد حملة الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت مصافي اكبر شركات النفط في المنطقة والعالم (آرامكو) والذي تبنته جماعة (أنصار الله الحوثيين)؛ نوع المصائر التي ستنزلق اليها منطقتنا المبتلاة بكل أشكال النزاعات والحروب التقليدية منها والمبتكرة. في الوقت الذي ارتقت فيه باقي سلالات بني آدم الى ذرى لم تعرفها من قبل، في ميدان فك الاشتباكات بينها عبر الحوار والسبل السلمية المجربة في مجال “كرمنا بني آدم” من دون تمييز على اساس الرطانة والخرقة والهلوسات، تهرول مجتمعات وبلدان “خير امة” الى مطمورات القرون السالفة وثاراتها الصدئة، لتنتج لنا أجيالا جديدة من فتوحات “داحس والغبراء” وهذه المرة عبر الاعتصام بعروة الأسلمة وكبسولاتها الآيديولوجية البائسة. أكثر من ربع قرن مر على تجاوز المجتمع الدولي لما كان يعرف بـ “الحرب الباردة” حيث شهدت اطوارها النهائية ولادة قوافل وعصابات ما يمكن أن نطلق عليه بـ “مهاجري وانصار ما بعد الحداثة” والتي فرخت بدورها سلسلة من الاجيال انتهت بعودة الفردوس المفقود (الخلافة) على يد عصابات داعش الاجرامية.
ان غزوة آرامكو تشكل انعطافة نوعية في مسار هذا النزاع والتنافس الاحمق بين بلدين أوهمهما الاسلام الآيديولوجي، بان مقاصد الدين النهائية تكمن في التمدد خارج الحدود الوطنية وبسط هيمنتهما العقائدية على عيال الله، على العكس من الامم والبلدان التي أكرمتها الاقدار بأفضل ما توصلت اليه العقول والثورات العلمية والقيمية التي تدبرت ووعت الحاجات الواقعية للاوطان والانسان في عالم أصبح فيه عمر المعلومة أقصر من عمر الفراشة. لقد عشنا نحن سكان هذا الوطن المنكوب، تجربة مريرة مع جماعات “الرسائل الخالدة” واوهامهم ووعودهم التي جعلت من تضاريسنا المستباحة موطناً لأبشع الكوابيس والاهوال. ما زلنا الى يومنا هذا، وبالرغم من مرور أكثر من 16 عاما على “التغيير” عاجزون لا عن النهوض وحسب بل عن وعي ما جرى لنا أصلاً، حيث ما زالت هيمنة قوارض “الرسائل الخالدة” تحكم قبضتها على مصائر وما تبقى من عقول وهمم عيال الله.
مثل هذا المنعطف الخطير في تاريخ المنطقة، يحتاج الى وعي وارادة مغايرة لما هو سائد حالياً. حيث تفرض قوى التخلف والاستبداد مغامراتها المتهورة وفرماناتها البعيدة عن الحكمة والمسؤولية، من دون أدنى التفات لما يفترض انها رعيتها والتي ستتكفل بكل فواتير وعواقب تلك الفزعات والغزوات. لقد سممت الاسلاموية (تحول الدين الى حانوت آيديولوجي) عقول وضمائر قطاعات واسعة من سكان مضاربنا المنكوبة بها، ولن يحتاج المتابع الحصيف الى كثير من الجهد، كي يكتشف نوع الاوهام والخزعبلات التي تثقلها وتدفعها الى محارق تجار الحروب واللصوص والمشعوذين وشبكاتهم الاخطبوطية المتخصصة بدغدغة الغرائز المتدنية للحشود. لن نكشف سراً عندما نبدي القلق الشديد على ما سينهال على وطننا (العراق) في هذا الظرف العصيب الذي يمر به حالياً، بعد أن اتفقت الكتل والجماعات التي انتفخت في الدورة الانتخابية الاخيرة؛ على تنصيب شخصية تقول عن نفسها بانها “لا تحابي ولا تعادي” على سنام القرار السياسي والتنفيذي في بلد تتناهشه العداوات والثارات من كل جانب؛ لتجعل من العراق الخاصرة الهشة التي تقتصر وظيفتها على استقبال أشد الرفسات والحماقات التي تتطاير الينا من هلوسات وغزوات دول الجوار واحلامها في استرداد سراب الامبراطوريات الغابرة..

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة