لم يكن الامام الحسين (ع) سنيا ولاشيعيا حينما قرر المضي برحلته الاصلاحية بل كان شعاره الاسمى الانتصار للحرية والانسانية وفي هذه الرحلة الايمانية ثمة محطات يمكن الوقوف عندها لاستجلاء الحقائق ابرزها ان منبر الحسين (ع) الذي خاطب فيه اهله واصحابه واعداءه كان منبر الصدق والحقيقة والاصلاح في مواجهة منابرالكذب والفسق والتزييف ثم ان خروج الحسين في هذه الرحلة كان خروجا سلميا وليس مسلحا او طالب ثأر وان قافلته كانت تضم افراد عائلته واقاربه وبعض الاصحاب حيث ترك الجميع المنازل والأموال ولم يحملوا معهم سوى الوفاء والاخلاص والاستجابة لرسائل نجدة المظلومين وان كل الذين مع الحسين حضروا بارادتهم وحتى الذين انضموا معه في الطريق قبل ان تبدأ المعركة انضموا بايمان ووعي وفي فصل آخر من فصول المواجهة مع الأعداء يمكن وصف الاساليب والمنهج التي تعامل فيه الحسين مع خصومه على انه يحمل من الرقي بشكل يجعله مدرسة فكرية وسياسية واخلاقية فهو لم يبدأ حربا او قتالا وكان لاخر اللحظات يقول انه داعية اصلاح ولم يطالب بغنيمة ولا بمنصب ولا بعنوان وبقي معسكره معسكرا للاحرار فيما اختار المعسكر المقابل الرضوخ للعبودية واطاعة مخلوق بمعصية الخالق ومن يتمعن في خطابات الحسين عليه السلام في ملحمة الطف سيجد انها دليل للمتحيرين والمظلومين في كل ارجاء المعمورة فهي تحتوي الاديان والمذاهب والقوميات وهي البرهان على ان الحسين لكل الانسانية ( ان لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا ) وهو بهذا يؤكد بانه ورث الايمان والمحبة من ابيه الذي اعلن اول لائحة عالمية لحقوق الانسان حينما قال) الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق ) ولاغرابة في ذلك فالحسين بن علي بن ابي طالب ولد في بيت نزل فيه الكتاب خاطب فيه الله رسوله الكريم محمد (وماارسلناك الا رحمة للعالمين )والعالمين هنا هم سكان الكوكب برمتهم وبكل مللهم ونحلهم وليس سكان الجزيرة العربية اما استشهاد الامام الحسين فهو من اعظم الامثلة في التاريخ على الفداء والتضحية من اجل الامة وقد امن الحسين بأن اراقة دمه هو الشيء الوحيد الذي يمكن فيه لهذه الامة ان تستعيد وعيها وان تنطلق بصحوة نحو مرحلة جديدة تكون فيه قادرة على دحر الظلاميين وتحطيم جدار الخوف وهكذا كانت محطة الاستشهاد بداية عهد جديد ادركت فيه الامة عظمة الرزية والمصيبة التي حلت في كربلاء وتكشفت لها اساليب منظومة الاكاذيب والخداع الذي انساق وراءه المهزومون خلف راية الفساد وفي ايامنا هذه نستعيد هذه الوقفة اابطولية التي تحمل الدروس والعبر من اجل ان تكون هذه المحطات والفصول دليل عمل يواجه فيه المظلومون في بلادنا اشكال التعسف والاضطهاد والتهميش حيث تدور دورة التاريخ ويتجدد خطاب الحسين ويحضر صدى صرخته في كل زاوية من زوايا الظلام معلنة خلود المثل والمباديء التي جاء بها الحسين لتكون دستورا حيا لكل الشعوب المستضعفة وهي تواجه منظومة الاستبداد في كل زمان ومكان
د. علي شمخي