كيف نبعد السودان عن حافة الهاوية؟

إسحاق ديوان

نيويورك- إن السودان على حافة الكارثة. إذ في الثالث من يونيو/حزيران، أطلقت القوات شبه العسكرية النار على المتظاهرين المسالمين المؤيدين للديمقراطية في الخرطوم، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة المئات. والآن، تحول الأمل في الانتقال السلس إلى الحكم المدني إلى خوف من أن تسير البلاد على خطى اليمن، أو سوريا، أو ليبيا.
وقبل بضعة أسابيع فقط، بدا وكأن الجيش يقف في صف المحتجين. إذ في أبريل/نيسان، وبعد أشهر من المظاهرات ضد الرئيس عمر البشير، أجبر الجيش البشير على الاستقالة؛ بل زعم قائد المجموعة شبه العسكرية لقوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دجالو (المعروف باسم هيميتي)، أنه رفض تنفيذ أمر البشير بإطلاق النار على المحتجين.
وحل مكان نظام البشير، الذي تولى السلطة منذ ما يقرب من 30 عامًا، المجلس العسكري الانتقالي، برئاسة اللواء عبد الفتاح البرهان، ونائبه حميتي. ولكن الاحتجاجات استمرت، مطالبة بالانتقال إلى الحكم المدني. وقد شجع ذلك المجلس العسكري الانتقالي على الشروع في مفاوضات مع ممثلي جمعية المهنيين السودانيين التي قادت الاحتجاجات.
وكانت تلك المفاوضات واعدة في البداية، ولكن لهجتها تغيرت فجأة بعد عودة برهان وهميتي من زيارة أجرياها لمصر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة– وهي دول كانت تدعم نظام البشير سابقًا. ويقال أن الجنرالات، الذين تربطهم صلات وثيقة بحكام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تلقوا عروضا بمكافآت مالية كبيرة- إذا عززوا السلطة وتجنبوا الانفتاح السياسي
ولدى السعوديين والإماراتيين عدة أهداف. فهم يأملون تجنب سابقة ديمقراطية في المنطقة، وضمان وجود الكثير من الجنود المشاة لحروبهم في اليمن وفي أماكن أخرى، وتأمين الوصول إلى الأراضي الزراعية الخصبة، والحصول على موطئ قدم في القرن الإفريقي الحساس من الناحية الاستراتيجية. وتكتيكاتهم ليست بالجديدة: إذ في عام 2013، دعموا حملة دامية شنها الجنرال عبد الفتاح السيسي ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في القاهرة، وأصبح السيسي زعيماً فعلياً لمصر بعد انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي.
ولكن، على غرار الحملة القمعية في القاهرة، والحرب في اليمن، تتبع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة استراتيجية غير مدروسة وقصيرة النظر في السودان. وصحيح أن برهان وهميتي يستطيعان ضمان استمرار تدفق القوات السودانية إلى اليمن. ولكن تقرير مراسلون بلا حدود بشأن المجزرة التي وقعت في الخرطوم، والتي تجاوزت فظاعتها جرائم الحرب السابقة في دارفور، ستمنع فعلياً الشعب السوداني-والمجتمع الدولي-من قبول حكم المجلس العسكري الانتقالي. وفضلا عن ذلك، فإن تحويل الأموال إلى الجيش السوداني لن يفعل شيئًا لمعالجة المظالم التي تسبب الاضطرابات الاجتماعية.
وهذه المظالم اقتصادية إلى حد ما. إذ أدت عقود من سوء التدبير إلى عدم تحمل الاقتصاد لانخفاض عائدات النفط بعد استقلال جنوب السودان (الذي يضم 75٪ من احتياطيات السودان من النفط) في عام 2011. وفي السنوات الخمس الماضية، اضطرت الحكومة إلى خفض الإنفاق العام من 18٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة تافهة بلغت 10٪ اليوم. ويمثل الإنفاق العسكري الآن ما لا يقل عن 30٪ من الميزانية العامة للسودان. وفي عام 2018، أدى فقدان الدعم الأجنبي من الخليج إلى انخفاض كبير في قيمة العملة، مما تسبب في ارتفاع معدل التضخم إلى 70٪.
ولكن مظالم المحتجين سياسية أيضاً. إذ تتوق شريحة كبيرة من السكان إلى الديمقراطية وسيادة القانون. كما سئموا من توجيه الحكومات المتعاقبة للفوائد نحو مجموعة صغيرة من القبائل الشمالية التي نهبت ما تبقى من البلاد، بتحالف مع قوات الأمن ورجال الأعمال المقربين.
وطالما استمرت هذه المظالم، فستستمر حالة عدم الاستقرار. وفي الواقع، قاوم السودانيون، خلال الخمسين سنة الماضية، الحكم العنيف للحكومة. إذ تستمر النزاعات العنيفة في دارفور، وجبال النوبة في الغرب والجنوب، ومنطقة النيل الأزرق في الشرق.
إن هجوم قوات الدعم السريع لن يؤدي إلا إلى تفاقم مثل هذا الصراع. ولقد سبق أن رفض المتظاهرون عرضاً من المجلس العسكري الانتقالي لإعادة فتح المفاوضات، ودعوا إلى العصيان المدني إلى أن يسقط النظام العسكري. ومن الصعب أن نرى كيف يمكن أن تُحكم دولة هشة مثل السودان، في ظل هذه الظروف.
وأدى سوء الإدارة إلى إهدار مأساوي لإمكانيات البلد الهائلة. إذ يتمتع السودان بموارد نفطية كبيرة، فضلاً عن الذهب والطاقة الكهرومائية-التي لم ينجح البلد في تطوير أي منها لصالح سكانه. زد على ذلك، فهو يمتلك الكثير من الأراضي الخصبة (بما في ذلك أراضي تخضع لنظام الري) تمكنه من أن يصبح مزودا للشرق الأوسط. ومع ذلك، إلى الآن، يصادر أصدقاء النظام الأراضي التقليدية ويستغلونها، مما يولد الصراع، والبؤس، وانعدام الأمن الغذائي.
ولن يغير السودان مساره المتجه نحو الفوضى، فما بالك أن يحقق كامل إمكاناته، ما لم يتدخل المجتمع الدولي. وببناء الثقة بين الجيش والمتظاهرين المدمَّرين، من الضروري تدخل وسطاء خارجيين لتأمين اتفاق انتقالي بين ممثلي المحتجين وعلى الأقل جزء من القوات المسلحة.
وسيتطلب مثل هذا الاتفاق عملية سلام منظمة، تضمنها ضمانات من طرف ثالث لضمان التنفيذ السليم. وستكون المكافآت والعقوبات حاسمة في هذا الأمر. فعلى سبيل المثال، يمكن لتخفيض الديون، إلى جانب الاستقرار السياسي، أن يفتحا المجال أمام حزمة مساعدات دولية سخية.
وستحتاج الصين، التي لها مصالح نفطية مهمة في السودان، إلى المشاركة، في حين يجب الضغط على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حتى تتعاونا في البحث عن حل سلمي للأزمة. ويعد الاتحاد الأفريقي شريكا حاسما أيضا، رغم أنه نظرا لهيمنة مصر الحالية، لا ينبغي للاتحاد الأفريقي أن يتولى القيادة.
إن المجتمع الدولي يستثمر بكثافة في السودان. إذ لعب دوراً مركزياً في انفصال الجنوب، وعمل على تحقيق الاستقرار في دارفور، وموَّل فرقة كبيرة من قوات الأمم المتحدة في دارفور، وجنوب السودان. ويجب عليه، الآن، أن يخطو خطوة أخرى-ليس بإصدار بلاغات متعاطفة. ولإنقاذ البلد– وما يحيط به– بما في ذلك، موجة جديدة من الفوضى والبؤس، يجب تعبئة المجتمع الدولي بسرعة لدعم تطلعات الشعب السوداني إلى حكم أفضل.
حصل إسحاق ديوان، الذي يشغل منصب أستاذ زائر في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، على جائزة التميز على مستوى العالم العربي من طرف جامعة باريز للعلوم والآداب.

Project Syndicate
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة