عبد الناصر النجار
قرار موفق وشجاع اتخذته القيادة الفلسطينية بإعلانها عدم المشاركة بمؤتمر المنامة، وتأكيد منظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) أنها لم تفوّض أحداً الحديث باسمها.
يضاف إلى ذلك الإعلان الصريح والواضح من جميع رجال الأعمال الفلسطينيين الذين وجهت إليهم دعوات رسمية لحضور المؤتمر بأنهم سيقاطعونه على اعتبار أنه التفاف على الحقوق الوطنية والشرعية للشعب الفلسطيني، وأن خارطة الطريق واضحة، وهي حل الدولتين ولا تجاوز للقيادة السياسية.
يذكر أن البيان البحريني- الأميركي المشترك الذي صدر في التاسع عشر من الشهر الجاري والذي أكد استضافة العاصمة البحرينية المنامة ورشة عمل اقتصادية تحت عنوان «السلام من أجل الازدهار» يومي 25 و26 حزيران المقبل، لجذب استثمارات إلى فلسطين كان مجرد محاولة أميركية يائسة للالتفاف على فشل جهودها لإقناع دول المنطقة بالانطلاق في ركب ما يسمى «صفقة القرن». الذي سيدخل المنطقة في دوامة جديدة هي في غنى عنها.
ومن الواضح أن كل الضغوط الأميركية المالية والسياسية على الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية لم تؤد إلى نتيجة تذكر بل العكس هو الصحيح، فالشعب الفلسطيني بات مقتنعاً أكثر ومصراً على عدم السماح بإنجاح أي توجه لفرض صفقة القرن التي تعني تصفية القضية الفلسطينية.
ورشة البحرين هي استنساخ رديء لأفكار رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو السابقة الذي كان يؤكد على السلام الاقتصادي، بمعنى أن الفلسطينيين لا يحتاجون إلا إلى المال من أجل الانغماس أكثر في اقتصاد استهلاكي يعود نفعه بالأساس على اقتصاد الاحتلال، وأن الحل السياسي ليس ذا قيمة أمام المال.
السلام الاقتصادي ربما هو أول ما تحدث عنه هو وزير الجيش الإسرائيلي موشيه ديان بعد نكسة العام ١٩٦٧ عندما كانت هناك خلافات داخل حكومة الاحتلال على كيفية التعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة سواء بالتهجير والطرد كما كان موقف رئيس الحكومة أشكول أو بالاحتواء الاقتصادي كأيد عاملة رخيصة في عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث يأخذ الفلسطيني المال ثم يصرف ما يأخذه داخل منظومة هذا الاقتصاد.
كان هدف ديان في ذلك الوقت ضرب القطاع الزراعي الفلسطيني الذي كان يعتبر القوة الاقتصادية الأولى. وتحويل الفلسطيني من منتج إلى مستهلك. وهذا فعلاً ما حصل خلال عقدين من الاحتلال، دون إنكار أنه حدثت طفرة في مستوى دخل الفرد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولكن فجأة ومن دون مقدمات اندلعت الانتفاضة الأولى التي غيرت كثيراً من المفاهيم، وقلبت الطاولة على من اعتقد أن الفلسطيني يبحث عن تحسين معيشته اليومية، وأعادت الكرة من جديد إلى الملعب السياسي على قاعدة أن لا سلام ولا استقرار في المنطقة دون الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف والتأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
لا شك في أن فريق ترامب الذي يحاول بكل قوته تمرير الصفقة هو المخطط والمنفذ لهذه الورشة، على قاعدة أفكار نتنياهو نفسها، أي أن السلام اقتصادي وليس سياسياً. وأن الضفة الغربية والقطاع سيتحولان إلى «سنغافورة» المنطقة. من دون النظر إلى الخلف قليلاً عندما أغرقونا كذباً في العام ١٩٩٤ بأن الأراضي الفلسطينية ستتحول إلى «سنغافورة» بعد توقيع اتفاق أوسلو وتحقيق السلام، فماذا كانت النتيجة بعد أكثر من ٢٠ عاماً على هذه الاتفاقية.
يكفي أن نعلم أن خطة فريق ترامب الاقتصادية تقوم على الجيوب العربية، بمعنى أن الدول العربية النفطية (دول الخليج) ستتحمل فاتورة الخطة الأميركية، وستساهم بأكثر من ٧٠٪ من المبالغ المخصصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، فيما الولايات المتحدة لن تزيد مشاركتها على ٢٠٪ وأوروبا على١٠٪ أما إسرائيل فستستفيد من هذه المليارات. بمعنى تقديم مكافأة للاحتلال على اعتداءاته وعنصريته، بدل أن يحاسب هذا الاحتلال على جرائمه.
القيادة الفلسطينية وخلال المؤتمرات العربية الطارئة وغير الطارئة كانت تطالب بحد أدنى من التمويل لمواجهة القرارات الهادفة لفرض واقع سياسي سيؤدي في النهاية إلى تفجير المنطقة. ولكن معظم من يتعهد من الدول العربية لا يفي بالتزاماته التي هي مجرد فتات بالنسبة للمليارات التي تطلبها إدارة ترامب اليوم، فلماذا تتم الاستجابة لها.
الشعب الفلسطيني قال كلمته: بكل أموال الدنيا لن نتنازل سياسياً عن الثوابت الفلسطينية، ومهما كان حجم الضغط الأميركي وحتى العربي لن يقبل الشعب الفلسطيني بحل يفرض عليه من أجل تحقيق مصالح الاحتلال.
نعم سيعقد مؤتمر البحرين وستحضره بعض الدول العربية ومؤسسات غربية، ولكن كل المشاركين سيتحدثون إلى أنفسهم. سيجلسون يومين ويستمتعون بالطعام والشراب، ولكن كل ذلك سيظل كلاماً في الهواء والنتيجة هي الصفر السياسي لأن الفلسطينيين غير موجودين ولن يتنازلوا … ولو عقدت مئات ورش العمل والمؤتمرات.
اليوم الإدارة الأميركية أدركت أنها غير قادرة على تمرير الشق السياسي رغم الضغوط الجبارة ووقف كل التمويل، فهي لم تعد تساعد الفلسطينيين بدولار واحد وتضغط على الآخرين لوقف المساعدات، فهربت إلى الشق الاقتصادي كممر التفافي للصفقة … ولكن الشعب الفلسطيني أجمع بشكل مطلق على ألا تنازل حتى لو جعنا ألف سنة مقبلة!
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية