رغم العديد من الملاحظات حول مشروعية تشكيل المجلس الاعلى لمكافحة الفساد، إلا أن وجوده أصبح واقعا، ولابد من التعامل معه، بوصفه أحد الجهات التي تحارب الفساد. الكثيرون توقعوا أن يشكل المجلس إضافة جديدة لجهود مكافحة الفساد، من خلال منح جرعات سياسية وقانونية للأجهزة المنضوية تحت لوائه، كالنزاهة وغيرها، وإن تلك الاضافة تتمثل في رصد ومعالجة حالات الفساد الكثيرة التي تعاني منها أغلب دوائر ومؤسسات الدولة.
الفساد المالي والاداري، يتمثل بفعل مخالف للقانون، وماس بالمال العام، وبحقوق الأفراد، كالاختلاس وهدر المال العام والرشوة وغسل الأموال والتزوير وغيرها من الجرائم التي تمس المال العام.
لذا فإن ذلك الفعل، لابد أن يترك أثرا في الواقع، ومن أبرز تلك الأمثلة هو كشف هيأة النزاهة مؤخرا الكثير من المشاريع المتلكئة التي صرفت عليها ملايين الدولارات، دون ان يتحقق شيء على أرض الواقع، مما يعني أن مجرد وجود تلك المشاريع المتوقفة هو دليل دامغ على وجود فساد، وإن المتسبب بالفساد هي الجهات التي تشرف عليها والتي لها صلة بمراحلها المختلفة.
وغيرها الكثير من الأمثلة على حالات الفساد التي لها آثار على كافة الأصعدة. ما أثار الاستغراب، هو ما صدر عن المجلس مؤخرا من كلام، حول ضرورة تقديم الادلة على الاتهامات الموجهة للمسؤولين عبر وسائل الاعلام، وبخلافه فإن المجلس يحتفظ بحق اتخاذ الاجراءات القانونية بحق مطلقي تلك الاتهامات.. السؤال الأهم: هل حقا، ثمة حاجة لتقديم أدلة على فساد بعض المسؤولين؟ ما هو الاجراء القانوني الذي سيتخذه المجلس في حال تم تقديم تلك الادلة؟ وهل للمجلس الحق في طلب اتخاذ الاجراءات القانونية بحق من يتهم مسؤولا بالفساد؟ وهل ثمة سند قانوني لطلبه تقديم تلك الأدلة له مباشرة؟ ان مجرد النظر الى البنى التحتية للبلد، ومقارنة ما صرف على المشاريع والخدمات من اموال وموازنات انفجارية وتقشفية، مع واقع الحال، فإن هذا أكبر دليل على وجود فساد يمارس من قبل شرائح واسعة من المسؤولين على مختلف مستوياتهم ووظائفهم.
فعدم وجود شوارع نظامية، وانتشار النفايات في كل مكان، وعدم وجود كهرباء ومشتقات نفطية، وعدم توفر خدمات كاملة، كلها ادلة دامغة وقطعية على الفساد.. لذا فإن المجلس لا يحتاج إلى ادلة يقدمها الناس الذين يكشفون الفساد، وربما ان هذا الاجراء يجعلهم عرضة لرصاص الفاسدين! من جانب آخر فإن المجلس لا يحق له قانونا ان يحرك شكاوى بحق كتاب ومدونين اتهموا مسؤولين بالفساد دون تقديم أدلة، إذ ان تحريك تلك الشكاوى، وإن صحت فهي تخص المسؤولين أنفسهم، كون ان الفعل موجه ضدهم، ولا يملك المجلس صلاحية الدفاع عن الآخرين، كما انه لا يملك كيانا قانونيا مستقلا، يملك الشخصية المعنوية التي تؤهله لمراجعة المحاكم المختصة، فهو لحد الآن مجرد كيان إداري لا يملك صلاحيات قانونية معينة، إذ انه بلا قانون يحدد تلك الصلاحيات والوظائف.
كما ان التهديد باتخاذ الاجراءات القانونية يحد من حرية التعبير، ويمنح الفاسدين جرعات معنوية للإيغال بفسادهم، دون ان يتجرأ أحد على مواجهتهم. في وقت يحتاج البلد فيه الى التضييق على الفاسدين ومحاربتهم بشتى الوسائل، حتى لو كان بالكلمة على الأقل، أما قتل تلك الكلمة، فهو إجراء يؤدي الى استفحال الفساد بدلا من محاربته.
سلام مكي