معركة من أجل الروح الهندية

شاشي ثارور ن

يودلهي

مع تأهب الهند لانتخاباتها العامة، يجب ألا يغيب عن ناظرنا الحجم الهائل للمناسبة المرتقبة، التي وُصفت بأنها «أكبر حدث في العالم يعتمد على إدارة بشرية». من خلال الانتخابات التي تستمر من 11 إبريل/نيسان الحالي حتى 23 مايو/أيار المقبل، سيقرر 900 مليون ناخب ممن لهم حق التصويت (منهم 15 مليون ناخب يدلون بأصواتهم لأول مرة) مصير ما يقرب من عشرة آلاف مرشح يمثلون أكثر من 500 حزب سياسي يتنافسون على 545 مقعدا في لوك سبها (بيت الشعب). وتحطم كل انتخابات هندية عامة الرقم القياسي الذي سجلته سابقتها لتصبح الأكبر في تاريخ العالم. ولم يتوافر لأيٍ من انتخابات لوك سبها الستة عشر السابقة مثل هذا الزخم السياسي الذي تحظى به الانتخابات القادمة.
تُنظَّم الانتخابات عبر سبع مراحل ستُجرى في الفترة ما بين الحادي عشر من إبريل/نيسان والتاسع عشر من مايو/أيار، على أن ينتهي فرز جميع الأصوات بحلول الثالث والعشرين من مايو/أيار. وستصوت الولايات الأكبر مساحة، مثل ولاية أوتار براديش شمالي الهند التي يُخصص لها وحدها 80 مقعدا في لوك سبها، في كل مرحلة من تلك المراحل، بينما تنجز الولايات الأخرى عملية التصويت في يوم واحد. أما دائرتي الانتخابية ثيروفانانثابورام، عاصمة ولاية كيرالا الجنوبية، والتي أسعى لتمثيلها للمرة الثالثة، فستصوت في المرحلة الثالثة (والأكبر) من الانتخابات يوم 23 إبريل/نيسان، إضافة إلى 114 دائرة انتخابية أخرى من 14 ولاية.
وستنشئ لجنة الانتخابات الهندية، وهي الجهاز المكلف بتنفيذ هذا المشروع الضخم، مليون مركز اقتراع تضم 2.33 مليون وحدة اقتراع إلكترونية، سيديرها أكثر من مليون شخص (كثير منهم سيُنتدبون من أجهزة حكومية مختلفة من أنحاء البلاد)، وسيسافرون بوسيلة نقل أو بأخرى ــ بداية من الحافلات والقطارات حتى الفيلة والجمال ــ للوصول إلى آخر ناخب.
ويمكن أن يؤدي الشرط الذي وضعته لجنة الانتخابات الهندية بأن لا يسافر أي ناخب أكثر من كيلومترين للوصول إلى مركز الاقتراع إلى ظهور مواقف لافتة وفريدة. ففي آخر انتخابات مثلا، أقيمت مقصورة اقتراع في غابة في غرب الهند من أجل ناخب واحد يقيم بها. كما أقيمت مقصورة أخرى في جبال الهيمالايا على ارتفاع 4500 متر (15 ألف قدم) فوق مستوى سطح البحر، وكانت أعلى مقصورة اقتراع في العالم.
وبرغم الحيوية الهائلة والإنفاق الضخم والطبيعة الشاملة الجامعة التي تميز العرس الديمقراطي الهندي الذي يقام كل خمس سنوات، تبقى مشاركة الناخبين مدعاة كبيرة للقلق. فقد سجلت انتخابات عام 2014 أعلى نسبة إقبال منذ عام 1952، مع أنها لم تتجاوز 66.4% من مجموع الناخبين، وهي نسبة تشبه نتائج استطلاع غير رسمي للرأي أجريته على تويتر: حيث قال 66% فقط من الخمسة عشر ألفا الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم مسجلون في القوائم الانتخابية وينوون التصويت في الانتخابات المقبلة.
هذا أمر مقلق، لأن امتناع ثلث الناخبين في الهند عن المشاركة في العملية الانتخابية عن قصد، يعني تخليهم دون قصد عن دورهم ومسؤوليتهم في تحديد المصير السياسي للبلاد، في وقت تتصاعد فيه المخاطر لدرجة لا يمكن تجاهلها.
خلال الأعوام الخمسة الماضية، تحملت الهند عبء السياسات القائمة على تصورات خاطئة والخطب الجوفاء للحكومة. فبعد كل هذا الحديث البراق لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي بشر بأيام الرخاء والهند الجديدة، نجد واقعا حقيقيا مؤلما وهو: فشل إدارة رئيس الوزراء نارندرا مودي في نيودلهي في معالجة الاحتياجات الحقيقية لعامة الشعب والوفاء بها، وهو ما انعكس بجلاء في نتائج انتخابات مجالس الولايات التي أُجريت مؤخرا وخرج منها حزب بهاراتيا جاناتا خالي الوفاض. إذا بحثنا عن مبررات لعدم رضا الناخبين عن الحالة الراهنة، فلن نعدم أسبابا. سنلاحظ أن الأزمة في المجال الزراعي قد استفحلت في طول البلاد وعرضها، حتى سجلت حالات الانتحار رقما قياسيا، وخرج المزارعون في أنحاء البلاد في تظاهرات احتجاجية ضد أسلوب الحكومة الأخرق في معالجة مشكلاتهم. بالمثل، أدى الكشف عن سعي الحكومة المتعمد لإخفاء تقرير يظهر وصول نسبة البطالة لأعلى معدل في 45 عاما إلى إثارة حالة واسعة من التشكك بشأن الأرقام الرسمية المتعلقة بنمو الناتج المحلي الإجمالي. وبعد فشل نظام إلغاء الأوراق النقدية الذي أعلنته السلطات في عام 2016، والذي تبعه تنفيذ سيئ لضريبة مرهقة على السلع والخدمات ذات خمسة معدلات، دخل الاقتصاد حالة من الفوضى.
ولن تكون البيانات الخادعة، مهما كان مقدارها، مبررا مستساغا لإعطاء حزب بهاراتيا جاناتا فرصة أخرى.
وقد دخلت الحكومة في حالة من الذعر، مما دعاها لإعلان سلسلة من الهدايا الترويجية في ميزانيتها الأخيرة شملت برنامجا لدعم دخول المزارعين، ورفع حد الإعفاء الضريبي على مستويات الدخل. لكنها جاءت في المجمل قليلة جدا ومتأخرة للغاية.
لذا يسعى حزب بهاراتيا جاناتا الآن لاستغلال الهجوم الإرهابي الأخير الذي شنته جماعة جيش محمد في بولواما (جنوبي كشمير)، والذي أسشفر عن مقتل أربعين من القوات الهندية شبه العسكرية، وأدى إلى تأجيج التوترات مع باكستان (موطن جيش محمد) بتصوير نفسه المدافع الأكثر تأثيرا وفعالية عن أمن الهند القومي. ويأمل الحزب، من خلال سعيه المشين لصرف انتباه الناخبين عن إخفاقاته في الحكم، في تحويل الانتخابات المقبلة إلى استفتاء عسكري النكهة، تطغى فيه قضيتا العنف عبر الحدود والأمن القومي على قضايا إرهاب الفقر والمحنة الاقتصادية والتوتر الطائفي.
هنا يتحتم على الناخبين في الهند اتخاذ قرارين، أولهما بالطبع تحديد المرشح الذي يريدونه لتمثيلهم في لوك سبها. لكن يواجه الناخبين في ذات الوقت اختيارا أكثر أهمية وهو: هل يريدون دولة هندية جامعة تجسد الأمل، أو بلدا مقسما يروج للخوف؟
شاشي ثارور شغل سابقا مناصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، ووزير الدولة للشؤون الخارجية في الهند، ووزير الدولة لتنمية الموارد البشرية، ويعمل حاليا رئيسا للجنة البرلمانية الدائمة للشؤون الخارجية، فضلا عن كونه عضوا بالبرلمان عن حزب المؤتمر الوطني الهندي.

بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة