أكرم عطا الله
ستخوض الأحزاب العربية انتخابات الكنيست بقائمتين، واحدة تمت بالاتفاق بين «العربية للتغيير» والتي يرأسها الدكتور أحمد الطيبي متحالفاً مع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة النائب أيمن عودة، وأخرى تمت بتحالف بين التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه الدكتور جمال زحالقة والذي لن يترشح هذه المرة هو وزملاؤه السابقون من التجمع لإعطاء الفرصة لدماء جديدة متحالفاً مع الحركة الإسلامية.
يمكن القول إن التجربة الوحيدة التي تحققت في الانتخابات الماضية بدخول الأحزاب العربية الانتخابات بقائمة واحدة انتهت وهي التجربة الوحيدة بالوحدة والتوحد، ليس على مستوى الداخل الإسرائيلي بل هي النموذج الأول بين العرب على مستوى الوطن العربي. وتلك التجربة كانت مدعاة للاعتزاز بقدرة الأحزاب والقوى السياسية هناك على إيجاد قواسم مشتركة. صحيح أن التحالف كان تحالف الضرورة بعد استهدافهم من أفيغدور ليبرمان والذي مرر قانون رفع نسبة الحسم الى أربعة مقاعد للحد الأدنى لدخول الكنيست حتى تسقط الأحزاب العربية، لذا كان الرد هو الدخول موحدين حتى ان كان تحالف الضرورة، لكنه قدم انموذجاً وإن كانت تلك الضرورة تستدعي على المستوى الفلسطيني الكلي ما هو أكثر إلحاحاً.
فجأة أعلن أن تلك التجربة لم تعد قائمة والبعض حمل المسؤولية للطيبي بفرط عقد التحالف، والبعض غمز باتجاه الفلسطينيين في رام الله محاولاً تحميل السلطة المسؤولية بأنها تتدخل وتدفع باتجاهات معينة. لكن الحقيقة الواضحة أننا أمام نموذج تمكن بالكاد أن يصمد وأن بقايا العقل العربي كانت جزءا من التعاطي حتى بين الأحزاب العربية في اسرائيل بالرغم من تقدمهم أكثر قياساً بالأداء السياسي الفلسطيني والعربي عموماً، وربما أن ذلك مرتبط بالمناخ السياسي القائم في اسرائيل والذي تسبب بإكسابهم تجربة متجاوزة حالة الأداء العربي لكن صدمة تفكيك القائمة كانت كبيرة.
ذات مرة في إحدى الجلسات السياسية الفكرية التي تبحث حالة الانقسام لدينا برز اقتراح في إطار البحث عن حلول، وهو تشكيل لجنة حكماء فلسطين من الداخل والخارج وكل مناطق الشعب الفلسطيني بتعداد 20 شخصية فلسطينية من كفاءات الشعب الفلسطيني خارج الانقسام، وأن يترأس هذه اللجنة رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة ومعه الطيبي لأن لهم تجربة رائدة في التوحد وهم خارج معادلة الانقسام الفلسطيني تماماً، ولا يخشون إسرائيل ولا يضعون في حساباتهم النظام الرسمي العربي، ولديهم مساحة من الديمقراطية والخبرة والمناخ السياسي الذي قد يتمكن من تفكيك شيفرة الانقسام لدينا.
لكن التجربة الآن كأنها ترتد نحو ما لا يوحد، ولكن بعض التحالفات على شكل قائمتين على الأقل يمنعان من الخوف من عدم تجاوز نسبة الحسم، وبالتالي ستحصل القوى السياسية العربية على نسبتها الطبيعية التي حصلت عليها الانتخابات السابقة وإن كانت الاستطلاعات تعطي حتى الآن للقائمتين بين 11 و 12 مقعداً، أي أقل من القائمة حين توحدت وهي بالتأكيد نسبة أقل كثيراً من الوزن الديمغرافي للفلسطينيين الذين تجاوزوا نسبة 20% بقليل، لكنها تساوي وزن الكتلة التصويتية لأن المجتمع الفلسطيني في إسرائيل مجتمع فتي ولديه احتياط الأصوات من هم دون سن الثامنة عشرة.
ليس هناك تأثير لوزن الكتلة البرلمانية العربية في النظام السياسي الاسرائيلي لعدة أسباب. وقد كان ذلك واضحاً منذ بداية دخولهم البرلمان ككتلة عربية بعيداً عن الأحزاب اليهودية، وذلك مع بدء الانتفاضة الأولى نهاية ثمانينات القرن الماضي، لكنها ولمرة واحدة في التاريخ كان لهم دور مركزي في صناعة القرار، اذ إن اتفاق أوسلو عام 93 عندما عرض على الكنيست الإسرائيلي مر بفضل الأصوات العربية، وتلك لم تتكرر ولن تتكرر، وهناك من يعد أن قتل اسحق رابين تم بسبب اعتماده على العرب في حسم مصير الدولة، وهذه لم يفعلها أي رئيس وزراء سابق، أما اللاحقون فقد تعلموا الدرس وبعدها تم دفع البرلمانيين العرب أكثر نحو هوامش السياسة في إسرائيل.
بالانزياحات التي حدثت في المجتمع الإسرائيلي وطغيان الكتلة التصويتية لليمين القومي والديني والاستيطاني وانحسار اليسار العلماني وحزب العمل، وذلك أيضاً لأسباب ديمغرافية أصبح الفرز أكثر وضوحاً بين يمين يدير الدفة في الدولة وبين يسار يحاول أن ينافس بلا أمل. والمسألة هنا أن كتلة اليمين المتبلورة أكثر انسجاماً وتماسكاً وهي تقود الدولة في العقد الأخير «بنقاء» يميني واضح، لكن كتلة اليسار التي تحاول عادة ما يتم احتساب المقاعد العربية، وتلك أزمة بالنسبة لليسار.
الأزمة لليسار أنه لا يستطيع تشكيل حكومة من دون العرب ولا يستطيع تشكيل حكومة مع العرب، وهنا مأزق القوائم العربية ومأزق اليسار في اسرائيل أن العرب محسوبون الى حد ما على تحالفه، ولكنهم سبب لأزمته نفسها، وهنا لا يتم احتساب المقاعد العربية في تشكيل حكومات بل يتم احتسابهم في إطار الكتلة المانعة لليمين من تشكيل الحكومة، لكن السنوات الأخيرة تمكن اليمين معتمداً على ذاته بتشكيل حكوماته.
المؤسف منذ أن انقسمت القائمة الموحدة أعيد النقاش والحوار بين القوى السياسية هناك. لكن من تابع الحوار اكتشف ببساطة أن الفعل السياسي الفلسطيني لم يناقش بشكل جوهري البرنامج أو أن كان هناك خلاف واحد حول البرنامج، بل مثلنا تماما على المقاعد وتوزيعها وتبادلية القيادة وحسبة المصالح والحصص، وهذا كان مدعاة للقلق اعتقاداً أنهم تجاوزونا، والمسألة الثانية أن الخطر الذي يحيط بهم بعد سن قانون القومية لا يقل خطورة عن الخطر الذي يحيط بالحالة السياسية الفلسطينية برمتها، وهو ما استدعى نقاشاً أكثر جوهرية يجب أن يتعلق بكيفية التصدي في حالة ترفع عن نقاش المقاعد وغيرها.
إسرائيل تغرق نحو اليمين وتوغل في إقصائيتها وإثنيتها أكثر ولا تترك متسعاً لمن هم غير اليهود للعمل سياسياً، بل صدرت دعوات كثيرة تدعو الطيبي وحنين زعبي وزحالقة للذهاب الى رام الله أو غزة والعمل هناك في حالة ترانسفير واضحة صدرت عن سياسيين في اسرائيل وليس حالات شعبوية، فالكراهية هناك أصبحت تعبر عن نفسها دون خجل أو اعتبارات، وكان بن غوريون لحظة أبقى 156 ألفاً من العرب في اطار الدولة كانوا يشكلون 5% من يهود العالم كان يعتقد في البدايات أن اليهود سيحزمون حقائبهم ويهاجرون الى إسرائيل، لكن العرب تجاوزوا نسبة 20% الآن.
في الانتخابات السابقة صدرت عن نتنياهو دعوة يوم الانتخابات كشف فيها عن عنصريته حين دعا اليهود لتكثيف التصويت عصراً حتى لا يفوز العرب، كان يقصد ألا يشكلوا كتلة مانعة تمنعه من تشكيل الحكومة، وتلك هي أزمة غانتس حتى بعد نجاح تحالفه مع لابيد اذا ما تماسكت كتلة اليمين ولم يقفز من سفينتها أحد، وهي تتجاوز الـ 60 مقعداً لن يتمكن لابيد حتى في حال تفوق تحالفه على الليكود من تشكيل الحكومة، فقد فازت ليفني قبل دورتين بـ 28 مقعداً وفاز نتنياهو بـ 27 لكنها لم تتمكن من تشكيل الحكومة، وقد يتكرر ذلك مع غانتس ولابيد.
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية