هاني حبيب
قبل أيام قليلة، قدم سبعة أعضاء من حزب العمال البريطاني استقالاتهم، احتجاجاً على قيادة رئيس الحزب وخياراته بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وارتفاع منسوب «معاداة السامية» على وفق مزاعمهم، في انشقاق جديد للحزب المعارض الأكبر في بريطانيا، هو الأكبر منذ ذلك الانشقاق الذي حدث في ظل زعامة مايكل فوت عام 1981، وبرغم أن هذه الاستقالات لن تؤثر على قيادة الحزب للمعارضة بشكل قوي وفاعل، إلاّ انها مع ذلك، تعد من وجهة نظر البعض ضرورة لتطهير الحزب من الأصوات النشاز المنفردة داخل الحزب، وأن في ذلك مصلحة لوحدة الحزب تجعله أكثر انسجاماً ووحدة وقدرة على مواجهة التحديات أمام حزب المحافظين الذي يعاني بدوره من انقسامات أكثر خطورة على خلفية ملف البريكست.
ما يهمنا في هذا السياق، قراءة هذا الانشقاق على خلفية الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، في سياق زعم المنشقين بشأن ارتفاع منسوب «معاداة السامية» داخل الحزب، فقد واجه زعيم الحزب جيرمي كوربين، العديد من المتاعب والصدمات والتدخلات منذ فوزه بهذا المنصب قبل ثلاث سنوات، على خلفية توجهه اليساري الراديكالي، وما ترجمه إزاء ذلك، اتخاذ قيادة الحزب موقفاً داعماً للقضية الفلسطينية، ويقال بهذا الصدد، أن كوربين، ومنذ عضويته لحزب العمال، لم يتأخر ولا مرة واحدة عن أي تظاهرة داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني والتنديد بالاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي تواصل بعد أن أصبح زعيماً للحزب، في مواجهة داخلية مع «تيار بلير» رئيس الوزراء العمالي السابق، الأمر الذي أدى إلى اتهام كوربين «بمعاداة السامية» وهي التهمة التي تلصقها الدوائر الصهيونية والإسرائيلية على كل من يتحدى الاحتلال ويدين ممارساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
ولم يكن من المستغرب، أن يرتفع علم فلسطين في أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الأخير في مدينة ليفربول، في إشارة إلى أن الحملة الشعواء التي تشنها الدوائر الصهيونية والإسرائيلية وبعض أعضاء الحزب على زعامة كوربين وتأييده للقضية الفلسطينية، لن تغير من موقف قيادة الحزب، بل انها أكثر إصراراً على المضي قدماً في دعم قضية الشعب الفلسطيني وإدانة الاحتلال الإسرائيلي، والجدير بالذكر، أن أحد القرارات التي اتخذت في مؤتمر الحزب المشار إليه، إدانة إسرائيل لاستخدامها فائض القوة في مواجهة احتجاجات وتظاهرات غزة السلمية ومطالبة بريطانيا لوقف بيع السلاح لإسرائيل، والالتزام من قبل الحزب بالاعتراف بدولة فلسطين في حال فوزه في الانتخابات التشريعية القادمة.
إثر ضغوط متزايدة، تبنت اللجنة التنفيذية للحزب تعريف «معاداة السامية» وفقاً للنص الذي اعترف به «التحالف الدولي»،
غير ان ذلك لم يوقف اتهامات من داخل الحزب ـ أقلية محدودة ـ ومن خارجه، «بمعاداة السامية» من قبل قيادة الحزب، وخاصة من قبل حاخامات بريطانيا الذين اعتبروا في رسالة وقعها 68 حاخاماً أن «معاداة السامية» داخل أروقة وشرائح حزب العمال باتت «خطرة جداً»، ما يوجب وقوف اليهود في مواجهة تحد لقيادة الحزب، وتكررت دعوة الحاخامات، مع بعض نواب الحزب «البليريين» إلى إزاحة كوربين عن زعامة الحزب.
بالنظر إلى تاريخ الانشقاقات السابقة، فلن يكون للمنشقين أي مستقبل سياسي راهنوا عليه بانشقاقهم، خاصة وأن مجموعات متعددة من الحزب، أدانت الانشقاق، وأكدت على وحدة الحزب في المواجهة مع «المحافظين» وأن الحزب بهذا الانشقاق تخلص من المتمردين الذين أضعفوا وحدة الحزب.
مع ذلك، فإن خطورة هذا الانشقاق تتأتى من العامل الزمني، فحزب العمال بناءً على الاستطلاعات الأخيرة، بات أكثر قرباً من الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة، وربما أن يشكل هذا الانشقاق مساساً محتملاً بإمكانيـة هذا الفوز، مـع أن كافة التقديـرات والتحليـلات التي صدرت بعـد الانشقـاق، أكـدت على أن ليـس هناك أي قلـق، ذلك أن المنشقيـن لا يشكلون ثقـلاً مهمـاً، لا عندما كانوا في الحـزب ولا وهـم في خارجـه، ومـا زال الحـزب يحظـى بشعبيـة متزايـدة.
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام افلسطينية