الليل.. يُخفي عيوب الموصل ويعكس ألقها وتوهجها

تبدو في الظلام أجمل بكثير
نينوى ـ خدر خلات:

المدن التي تخرج من حروب مدمرة، تبقى امام مصيرين اثنين، اما حركة الاعمار والبناء السريع، او الاهمال القاتل والفظيع، لكن الموصل، المدينة التي تتحدى كل الظروف والقواعد التاريخية، ترفض ذلك، وتكسر هذه القاعدة، حيث تتوهج ليلا وتتألق بجمال نادر وخلاب، وفي النهار تظهر عيوب “ماكياج” العروس الجميلة، وتتعرى مكامن القبح والاهمال والتلكؤ في اصلاح ما افسد الدهر والعطار معا.
بعد مغيب الشمس، تختفي امام عيون الناظرين كل “الطسات” في شوارع المدينة، وتختفي معها مناظر الخراب في “المدينة القديمة” وتسكن اوجاع الفقراء والمعوزين والمحتاجين.. وتتألق الانوار في شوارع مدينة شهدت اعنف حرب شوارع وقصف جوي وارضي، وتشع الانوار لتطرد الكثير من الظلام الحالك، ولسان حال المدينة يقول “انا امرض ولا اموت”.
تقول الناشطة الحقوقية الموصلية اسماء يونس القزاز لـ “الصباح الجديد” ان “مدينة الموصل في الليل تختلف عنها في النهار، بل انها في الليل أجمل بكثير، حيث الانوار والمحال التي تبقى مفتوحة لوقت متأخر، وضجيج واضواء السيارات، وهذه الاجواء الشتائية الساحرة، وربما الكثير لو رأى هذا المنظر ربما اعتقد انها ليست الموصل، التي كانت بقبضة تنظيم داعش الارهابي قبل اقل من سنتين”.
واضافت “الموصل هي مدينة جميلة اصلا، فهي ام الربيعين، وهذا الاسم لم يأت اعتباطا، بل لان خريفها يشبه بالربيع، وهي بالاصل لها ربيع حقيقي، كما ان الموصل مدينة سياحية بامتياز، واطرافها سواء بجنوبها وشرقها وشمالها تعد مناطق سياحية رائعة”.
وترى القزاز ان “ضجيج الباعة المتجولين الذين يبحثون عن ارزاقهم وارزاق عائلاتهم، والفوضى بالحركة المرورية بسبب الانفلات في اغلب المفاصل في المدينة، والنفايات التي تنتشر بشكل عشوائي باغلب المناطق بقلب المدينة في ساعات النهار، تختفي كلها ليلا، وتتألق المدينة بالاضواء المبهرة”.
وتستدرك بالقول “لكن ليس كل شوارع الموصل كذلك، فاغلبيتها ما زالت تفتقد الانارة، ويزيدها الليل وحشة”.
وفي المدينة القديمة، تعكس اضواء الكهرباء من الاعمدة في بعض الشوارع شيئا من جمال هذه المنطقة التي ضربها الخراب، وطالتها يد الاعمار بشكل خجول، وبالرغم من المحال التجارية القليلة المفتوحة نهارا والمغلقة ليلا، الا ان الق الضياء يحكي حكايا عن جمال غابر لهذه المناطق التي يؤطرها مشهد عمراني تتميز به الموصل، حيث الازقة الضيقة التي تفتح قلوبها للشوارع الواسعة شبه المهجورة ليلا.
فيما يرى الناشط الموصلي محمد حسين الحيالي ان “جمال الموصل ليلا في ايامنا هذه يعكس اصرار اهلها على عودة الحياة الطبيعية لشرايينها برغم كل ما اصابنا من دمار وخراب”.
ويضيف في حديثه لـ “الصباح الجديد” ان “هنالك ما يمكن ان نسميها بؤر، او نقاط مشعة ومتوهجة في الموصل، حيث هنالك منطقة الغابات السياحية التي تشع بالسحر والنور والجمال كل ليلة، وهنالك منطقة المجموعة الثقافية، والزهور، وغيرها، كلها تزهو ليلا وتتبختر بالجمال الموصلي الليلي، ونحن نتمنى ان يستمر هذا الجمال بوضح النهار، كي يراه العالم اجمع ويدرك ان الموصل جميلة في النهار مثلما هي في الليل”.
ولفت الحيالي الى ان “مراكز التوهج ليلا بالموصل ستتسع وتلتحم ببعضها البعض، وهذا سيحدث لاحقا برغم حجم الخراب وبرغم حجم الفساد المستشري، وبالتالي سنرى الموصل كما نحبها، مدينة جميلة في النهار، مثلما يزيدها الليل جمالا”.
منوها الى ان “الفوضى في مدينة الموصل حاليا، تتحجم، وبات الالتزام بالقوانين المرورية مثلا، يزداد يوما بعد يوم اخر، وهنالك حركة اعمار لا بأس بها برغم انها من منظمات او بجهود فردية من ابناء المدينة، وايضا هنالك جهد حكومي خجول، لكن بالمحصلة نحن امام ورشة عمل تتنامى وتتسع، وهذا ما يريده اي مواطن يعشق هذه المدينة”.
وعدّ الحيالي ان “اعادة الحياة للموصل، لا يمكن ان يحدث بليلة وضحاها، لان حجم الخراب كبير جدا، لكن ما نراه من الق وجمال في ليالي الموصل، حيث الانوار والضياء، يؤكد ان هذه المدينة ستستعيد عافيتها، وتستعيد مكانتها على مستوى العراق ولو بعد حين”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة