رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 60
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
* قبل وبعد ثورة 14 تموز كان الحزب الشيوعي أحد أهم وأكبر الأحزاب السياسية في العراق، فما الذي حصل لكي يتحول الى هذا الحزب الصغير الذي نراه اليوم بعد كل تلك السنوات من النضال، بحيث لم يعد لهم أي دور في عملية التغيير والتحول في العراق؟
– قبل ثورة 14 تموز لم يكن الحزب الشيوعي بالقوة التي تصفه، بل كان حزبا صغيرا، وأعتقد بأن الدور الأكبر للحزب كان في أربعينيات القرن الماضي وتحديدا بين عامي 1948-1949، ولكنهم إنتكسوا بعد ذلك، فكثير من قياداتهم خانوا الحزب وكانت خيانتهم سببا في ذلك الإنكسار. وحين جاء بهاءالدين نوري وتسلم سكرتارية الحزب أوقف مسألة الإعترافات، ورغم أن حميد عثمان كان في السجن لكنه لم يعترف، ونجح بهاءالدين نوري وحميد عثمان بإحياء الحزب من جديد. أما بعد ثورة 14 تموز فقد قوي الحزب وإزداد نفوذه وعدد أعضائه ومؤيديه بفضل دعم عبدالكريم قاسم له، وأقول بدون مبالغة أن نسبة 65% من العراقيين كانوا مع الحزب الشيوعي، حتى أنهم فاقوا حزبنا البارتي بكردستان بعدد أعضائه وأنصاره.
* ما عدا ذلك ما كانت النقاط المشتركة التي تجمعك بالحزب الشيوعي؟
– طبعا هناك مسائل أخرى دفعتني للإقتراب منهم، ففي عام 1948 كنت في الصف الأول الثانوي أنتخبت ممثلا عن إتحاد طلبة كويسنجق للمشاركة في مؤتمر الطلبة العام المنعقد تحت رعاية الحزب الشيوعي، وكنا متعاونين مع الطلبة الشيوعيين، وكان العراق منقسما حينذاك الى جبهتين. جبهة القوميين، وجبهة الديمقراطيين، وتألفت الجبهة الديمقراطية من الحزب الشيوعي و الحزب الوطني الديمقراطي و حزب الشعب و البارتي و شارك ممثلو هذه الأحزاب في المؤتمر.
كنت في المرحلة الثانوية حين أنتخبت ممثلا عن الحزب، وكنا نشكل نصفا بنصف مع كوادر الشيوعيين. ثم شاركت في مؤتمر الإتحاد العام لطلبة العراق الذي عرف بمؤتمر (السباع)، وكانت الصداقة والتعاون مستمرة بيننا الى أن أصيب هذا الحزب بإنتكاسة بسبب خيانات قياداتهم كما ذكرت آنفا.
*ومن هم أولئك الخونة وعلى من اعترفوا، وما كان تأثير ذلك على مصير الحزب؟
– الذين خانوا حزبهم هم، عبدالرزاق عيد ومالك سيف وإعترفا على يهودا صديق، وهؤلاء الخونة شهدوا ضد فهد و محمد حسن الشبيبي ومحمد زكي بسيم وأعدم السلطات ثلاثتهم لاحقا. وأصيب الحزب بإنتكاسة كبيرة جراء فقد هذه القيادات وكانت خلافات ظهرت في تلك الفترة بين الحزب الشيوعي و البارتي حول مسألة أحقية الشعب الكردي بإمتلاك حزب خاص به، ورغم ذلك كانت العلاقة بيننا نحن الطلبة و الحزب الشيوعي جيدة ونتعاون معا، وكنت دائما مع إدامة العلاقة معهم، لأنني حين دخلت الجامعة وجدت بأن أكثر المجموعات الثقافية والتقدمية الناشطة بالجامعة و قتذاك هي من الشيوعيين وكان لهم دور مهم في تلك المرحلة. ورغم خلافاتنا الحزبية لكننا لم نقطع الصلة والتعاون فيما بيننا وعملنا معا على أساس (وحدة الصراع).
أما حول مسألة إتحاد طلبة كردستان فقد كانوا يخلقون لنا مشاكل ويتحرشون بنا ويعتقدون بأن تشكيل هذا الإتحاد سيمزق صفوف إتحاد طلبة العراق.
* لكن الحزب الشيوعي ذاته تعرض في تلك السنوات الى الانقسام و التمزق؟
– نعم هذار صحيح، ففي الفترة 1953-1954 إنقسم الحزب الشيوعي الى ثلاثة فصائل. الأولى هي الحزب الشيوعي بإسم (القاعدة) والذي عد نفسه هو الأصل وسكرتيره حميد عثمان، وأخرى حملت إسم الحزب الشيوعي العراقي (راية الشغيلة) بقيادة عزيز محمد وجمال الحيدري، والأخيرة بإسم (وحدة الشيوعيين) بقيادة عزيز شريف. ونحن كحزب البارتي كنا أٌقرب الى جماعة عزيز شريف لأن موقفه كان إيجابيا معنا بعد أن أصدر كتابه (المسألة الكردية في العراق) وتطرق فيه الى حق تقرير المصير للشعب الكردي وسمى الوحدة القسرية المفروضة على العراقيين بـ(وحدة السلاسل والقيود) ودافع بشجاعة عن القضية الكردية.
كما أننا لم نقطع علاقتنا الجيدة مع جماعتي (القاعدة) و (راية الشغيلة) التي تأسست الأخيرة توا، وكانوا بحاجة ماسة للتقرب منا، وكان عبدالرزاق الصافي زميلي بكلية الحقوق وأتحدث معه في وقت يقاطعه رفاقه بالحزب. وأسسنا علاقة أيضا مع جماعة (القاعدة) التي يتولى سكرتاريتها حميد عثمان الذي أقام بدوره علاقة مع البارتي بواسطة نزاد عزيز اغا وتأثر به الى حد أنه غادر الحزب الشيوعي وإلتحق بالبارتي، فإحتل موقعه سلام عادل الذي كانت علاقتنا به جيدة أيضا. وقمنا بدور مهم وفاعل في تقريب هذه الفصائل بعضها مع بعض، فكنا في البارتي نعتبر أنفسنا ماركسيين يساريين، وعقدنا عدة إجتماعات مشتركة في منزل أحمد حمد أمين دزيي نحثهم على الوحدة، و نجحنا فعلا في التقريب بين جماعتي وحدة الشيوعيين و القاعدة، وكان الأستاذ إبراهيم أحمد ينصحهم و يستمعون الى دعوته لتحقيق الوحدة بين الشيوعيين لكي يقوى الحزب ويكون موحدا. وإستجاب عزيز شريف لنصائح الأستاذ إبراهيم بالوحدة مع جماعة القاعدة، وفي الوقت ذاته أبدى سلام عادل أيضا بعض المرونة بعد أن كان الطرف الآخر يصفهم بالإنتهازيين والخونة المنشقين فيردون عليهم بهدوء “أن تأسيس حزب بإسم الشيوعي هو بالأساس كان خطأ، ومع ذلك كل من ساهم بتأسيسه هم رجال مناضلون يجب أن نحترم نضالهم”. وهكذا تم قبولهم بعد ذلك بقيادة الحزب، ولكن راية الشغيلة لم تكن في البداية مستعدة للوحدة مع الشيوعيبن الاخرين الى حين تدخل خالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي الأسبق بسوريا ونجح بضمهم الى الوحدة.
* فضلا عن خلافاته الداخلية، الى أين اتجهت علاقة الحزب الشيوعي مع البارتي؟
– حول العلاقة بين الحزب الشيوعي والبارتي، كان هناك مقترحان، أولهما تقدم به سلام عادل الذي قال “نحن مستعدون لإرسال جميع أعضاء الحزب من الكرد الى داخل صفوف البارتي كي نجعل منه حزبا طليعيا لشعب كردستان، بشرط أن يبقى بعض كوادرهم المتقدمة من الماركسيين معنا بالحزب”. حتى أنه حدد بعض الأسماء منهم الأستاذ إبراهيم أحمد ويكون عضوا بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي “وكان يوجه حديثه الي في بعض الأحيان قائلا “شاب كفء مثلك يجب أن يتبوأ عندنا منصبا قياديا داخل بالحزب”. لكن البارتي رد عليهم وقال “فلينضم جميع الشيوعيين والماركسيين الى حزبنا و يؤسسوا قيادة موحدة”. بمعنى أن يبقى الحزب الشيوعي كحزب مستقل في كردستان وأن تتولى قيادة مشتركة تسيير أمور الحزبين، كما كان هناك توجه داخل صفوف البارتي وهو أن يقدم سلام عادل ضمانات مؤكدة بأن حزبه لن يرتكب أخطاء الماضي أو ينحرف عن المسار لكي تتمكن كوادر البارتي من الإنضمام إليه.
وكما قلت سابقا كان هناك نوع من التعاون بيننا وبين الشيوعيين أثناء مهرجان عام 1955 وأصبحت أنا نائبا لرئيس الوفد العراقي، وأيضا في مهرجان عام 1957 إستمر التعاون بيننا، وكانت علاقتنا جيدة معهم الى حين إنضمام فرع كردستان للحزب الشيوعي بقيادة كمال فؤاد وحميد عثمان وصالح الحيدري الى البارتي وأعقبه نوع من الفتور بيننا.
* وهل كانت مشاركتك بمؤتمر (السباع) باسم البارتي، أم بصفتك الشخصية كأحد الطلبة الكرد؟
– كان المؤتمر لطلبة العراق وأعضائها يمثلون المدارس الثانوية والإعدادية، وشاركت أنا بصفتي ممثلا عن كويسنجق، ولكن الجميع كانوا يعرفون بأنني من البارتي وأنني ترشحت على قائمة ترشيحاته، وأصبحت عضوا إحتياطا بالقائمة، ومؤتمر السباع لم يكن مؤتمرا بمعنى الكلمة بل كان أشبه بإجتماع موسع إقتصر على جلسة إفتتاحية واحدة عقدت في ساحة السباع ببغداد.
* بحسب ما سردته لنا من قوة تنظيم الحزب الشيوعي من الناحية الشعبية، لماذا لم يستطع هذا الحزب برأيك أن يتسلم السلطة بالعراق؟
– أعتقد بأن نهجه كان خاطئا ولم يناسب الوضع الإجتماعي في العراق، ولإفتقاره الى قيادة سياسية محنكة تضع أسس ومباديء صحيحة للتنظيم. ففي فترة ذهب هذا الحزب بعيدا جدا في دعمه لعبدالكريم قاسم حتى أنه رفع شعار (ماكو زعيم إلا كريم)، وهذا الشعار صاغه بالأساس عبدالسلام عارف لكنهم جعلوه شعارا لهم، وحين تعرض قاسم الى حملة عنيفة من أعدائه زادوا الجرعة و قالوا بأنه ( الزعيم الأوحد). وبنظري فإن هذا الحزب لم يقيم الوضع الذي كان عليه بصورة سليمة وعقلانية خاصة في تلك المرحلة من الحياة السياسية بالعراق والتي تعد مرحلة التغيير الديمقراطي والوطني، وكان يفترض أن يقرأ ويتفهم الواقع بشكل أفضل ويعلم بأنه لايستطيع أن يتسلم مقاليد الحكم بالعراق لأنه سيتعرض الى معاداة جميع دول الجوار و المنطقة و أن روسيا نفسها لم تكن مستعدة للدفاع عنه أو خوض الحرب بسببه.
كان على الحزب الشيوعي أن ينتهج سياسة أكثر مرونة ويشارك ويدعم الجبهة الوطنية وأن لايرتكب أخطاء تغضب أو تخيف عبدالكريم قاسم لأنه كان الداعم الرئيسي لهم. وفعلا إرتكب الحزب الشيوعي أخطاء بهذا المجال حين عدوا أنفسهم بمثابة الأخ الأكبر لجميع الأحزاب السياسية المتواجدة على الساحة حينذاك، ودسوا جواسيسهم بصفوف كل الأحزاب.
فعلى سبيل المثال، شكلوا جماعة داخل الحزب الوطني الديمقراطي، وفي داخل البارتي دعموا همزة عبدالله ونزاد عزيز اغا، وهذه التدخلات السافرة أساءت الى علاقته بهذين الحزبين، لقد أرادوا أن يجعلوا من الأحزاب الأخرى مجرد أحزاب كرتونية مصطنعة، وهذه سياسة أضرتهم كثيرا.
* أثناء الصراع بين جناح المكتب السياسي والملا مصطفى إنحاز الشيوعيون الى صف الملا مصطفى، ومنذ تأسيس الإتحاد الوطني ولحد اليوم يلزمون جانب حزبه، ترى ما أسباب هذا الدعم و الموقف الإحادي الجانب من الحزب الشيوعي؟
– هنا أود أن أٌقول شيئا..في عام 1964 حين وقعت إتفاقية (المشير-البارزاني) كان رأي قيادة الحزب الشيوعي مطابقا لرأي المكتب السياسي، بل أنهم أصدروا بيانا بإسم فرع كردستان للحزب الشيوعي أعلنوا فيه معارضتهم للإتفاقية. في هذا الوقت وصلت برقية من خروتشوف السكرتير السابق للحزب الشيوعي الروسي الى عبدالسلام عارف أشاد فيها بالإتفاقية ومدح عبدالسلام وإعتبره رجل دولة ممتاز، وبعد إذاعة تلك البرقية غير الحزب الشيوعي العراقي موقفه وأصبح مؤيدا للإتفاقية. وهناك مسألة أخرى متعلقة بمواقف الحزب الشيوعي يفترض أن نطرحها وهي ما قاله بهاءالدين نوري بأن “نوري شاويس كان عضوا بالحزب الشيوعي ولكننا زرعناه داخل البارتي”.
وكان نوري شاويس معهم عام 1959، ولكنه لم يذهب معهم بل ظل داخل البارتي، فإذا صح ما قاله بهاءالدين، فإن نوري شاويس قام بدور خطير في تأجيج الخلافات بين الملا مصطفى و المكتب السياسي وصب النار على الزيت كما يقال(2) وأعتقد بأنه حان الوقت لأتكلم وأطلب من حميد عثمان وعلي عبدالله والآخرين ممن يعلمون بهذا الأمر أن يكشفوا الحقيقة ويدلوا بدلوهم بهذا المجال، لأنه لو كانت هناك علاقة فعلية لنوري بالحزب الشيوعي وأنهم هم من زرعوه داخل البارتي، فإن هذا الحزب يتحمل مسؤولية كبرى في وقوع تلك الخلافات، وأنه كان يسعى الى بث الفتنة وتأجيج الصراعات داخل الحركة التحررية الكردية.
سبب آخر لإنحياز الحزب الشيوعي الى البارتي والملا مصطفى يعود الى الخلافات الآيديولوجية بين هذا الحزب والمكتب السياسي في ذلك الوقت ومع الإتحاد الوطني لاحقا، لأن المكتب السياسي ثم الإتحاد الوطني كانا يشكلان الجناح اليساري في الحركة التحررية الكردية و يعتبران أنفسهما على التهج الماركسي اللينيني، وخاصة حين نشأت عصبة الشغيلة و إنضمت الى الإتحاد الوطني وهي تنظيم يساري، ولذلك هم خافوا على أنفسهم من نشوء هذا التنظيم و منافستهم في الساحة الفكرية، خصوصا أننا كنا نعتبر أنفسنا ممثلين عن الطبقة الكادحة بكردستان، ولذلك كانوا يخشونا وليس البارتي الذي تقوده عائلة، أضف الى كل ذلك دور الإتحاد السوفيتي التي كانت علاقاتها مع البارتي أفضل من علاقاتها معنا.
* ولماذا برأيك شارك الحزب الشيوعي بحكومة البارتي عند وجود الإدارتين المنفصلتين بكردستان؟
– بعد تعرضنا الى هجوم دبابات صدام حسين وطردنا من أربيل بواسطة الجيش العراقي، ظن الشيوعيون بأننا أصبحنا قوة ضعيفة لن تقوم لها قائمة، وبأننا لن نستطيع العودة الى الساحة النضالية مرة أخرى والصمود بوجه البارتي، لذلك أسرعوا بالإنضمام الى حكومته في أربيل، فهذا الحزب يلزم عادة الجانب الأقوى وظهر ذلك إثر نكسة ثورة أيلول حين إنحازوا الى جانب البعث وتعاونوا معه بالجبهة الوطنية.
* وهل تعتقد بأن الحزب الشيوعي يستطيع أن يقوم بأي دور اليوم في ظل حكم ونفوذ الأمريكيين بالعراق؟
– نعم أعتقد بأنه قادر على القيام بدور كقوة سياسية ديمقراطية تقدمية ويسهم بالعملية السياسية في العراق الجديد، وأن يؤدي مهمته كقوة صديقة للشعب الكردي، لأنه بالأساس يؤيد حق تقرير المصير وهو نصير للحكم الفدرالي، ومن المهم جدا أن نعاونهم لكي يستعيدوا قوتهم وينهضوا من جديد ويحتلوا موقعهم ضمن الحركة الديمقراطية في العراق..
قوى المعارضة العراقية
* الآن نريدك أن تحدثنا عن قوى المعارضة العراقية السابقة، وتقيم لنا دورها في معارضة صدام حسين؟
– هناك نقطنتان يجب أن نراعيهما في تقييم ذلك الدور، الأولى: قدرة تلك الأحزاب كل على حدة. الثانية: جدية تلك الأحزاب بنضالها ضد النظام، مثل حزبنا الذي خاض نضالا حقيقيا ضد حكومة البعث وألحقت به أضرارا بالغة، أنظر الى الوثائق التي إستولينا عليها بعد السقوط لتتأكد عن مستوى العداء الذي يضمره هذا النظام ضدنا. وهناك طبعا قوى أخرى كانت فاعلة على الساحة مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي ناضل وكبد نظام صدام خسائر فادحة، كذلك حزب الدعوة الذي ناضل وقدم تضحيات جسيمة بهذا المجال.
وبعض القوى الأخرى إستطاعت أن تقوم بنشاطات خارج العراق، وأنا عن نفسي لا أقلل أبدا من أهمية النشاط الدبلوماسي في الخارج فهو مهم بدوره، وأعتقد بأن العامل الخارجي و دور القوى المعارضة هو دور حاسم ومصيري، ولذلك دور شخصية مثل الدكتور أحمد الجلبي أو الدكتورأياد علاوي وغيرهما من الذين ناضلوا على الصعيد الخارجي يوازي دور القوى الداخلية.على سبيل المثال بذل هؤلاء جهودا كبيرة ومثمرة في أمريكا و بأوساط الكونجرس و المؤسسات الأخرى لحث الإدارة الأمريكية بالعمل ضد نظام صدام، وكان دورهم أكثر فعالية من دور بعض أحزاب الداخل، وهذا أحد أهم الأسباب التي دفعت أمريكا لتعادي نظام صدام الى حد إسقاطه وتحرير البلد، فيجب أن لا ننسى تلك الأدوار الدبلوماسية.
* حسنا، رغم هذا الدور الفاعل لهذه القوى لكنها ليست معروفة على النطاق الشعبي داخل العراق بسبب تواجدهم في دول الجوار أو أوروبا، فماذا تعتقد بإمكانهم أن يفعلوا في ظل الوضع الحالي؟
– هذا يرتبط بما يستطيعون فعله اليوم لكسب الجماهير، فإذا نجحوا في إستقطاب الجمهورعندها سيكون لهم دور مميز، ومع ذلك فإن كل قوة تستطيع الآن أن تؤدي دورا وكل حسب حجمها، فمثلا، الحزب الإسلامي العراقي وهو حزب سني إستطاع أن يستقطب عددا كبيرا من أبناء الطائفة السنية، وكذلك الحزب الشيوعي يتحرك حاليا وسط الجماهير لكسب الأنصار، والحركة الإشتراكية االعربية بقيادة عبد الإله النصراوي بدأت تتحرك بدورها، وهناك العشرات من الأحزاب و القوى الأخرى تسعى لإثبات و جودها فلو تمكنوا من توحيد صفوفهم أعتقد بأنهم يستطيعون أن يؤسسوا حزبا كبيرا ومعتبرا.
* وكيف تقيم مؤتمري المعارضة العراقية في كل من لندن و مصيف صلاح الدين عام 2002؟
– هذان المؤتمران كانت لهما تأثيرات عدة سأجملها بما يلي:
أولا: مجلس الحكم الحالي هو ثمرة تلك الإجتماعات فالعديد من أعضائه هم من المشاركين بمؤتمري لندن و صلاح الدين اللذان انعقدا قبل ضرب العراق في ربيع عام 2003..
ثانيا: كان للبرنامج السياسي للمؤتمرين دورا كبيرا و فاعلا في صياغة برنامج ديمقراطي برلماني فدرالي لعراق جديد موحد، وفرضه على الحركتين الديمقراطية الإسلامية والقومية العربية و الفضل في صياغة هذا البرنامج الموحد يعود الى المؤتمرين المذكورين.
ثالثا: التوافق والتعايش الحالي بين القوى السياسية العراقية يعود فضلهما الى المؤتمرين.
رابعا: التوافق الحالي بين أعضاء مجلس الحكم بمختلف مكوناته هو ثمرة تلك اللقاءات والإجتماعات التي شهدها المؤتمران، بالإضافة الى دور المؤتمرين المذكورين في تحقيق العمل المشترك لإسقاط النظام الصدامي.
* ماعدا الأحزاب التي شاركت بالمؤتمرين، ما هي الأحزاب العراقية الأخرى التي تؤيد حق تقرير المصير للشعب الكردي وصولا الى حد إنفصال الكرد عن العراق؟
– ليس هناك أي حزب يؤيد إنفصال الكرد عن العراق، فكل الأحزاب التي شاركت بذينك المؤتمرين، أو الخارجون عنهما أيدوا بناء عراق ديمقراطي برلماني فدرالي، فمثلا الحزب الإسلامي العراقي برئاسة الدكتور محسن عبدالحميد وقع معنا بروتوكولا للتعاون، وقدم الدكتورعبدالحميد مشروعا الى مجلس الحكم وتم قبوله يقول “نحن مع عراق ديمقراطي برلماني فدرالي حر يحترم الإسلام ومبادئه”.
كما أن الحركة الإشتراكية العربية أدرجت ضمن برنامجها السياسي أنه “يجب منح إقليم كردستان الحق الفدرالي على أساس الإقليم، ومنح اللامركزية لبقية أجزاء العراق”.
والحزب الشيوعي العراقي لم يشارك في المؤتمرين، لكنه أبدى دعمه الكامل لحق تقرير المصير بالنسبة للشعب الكردي والدعوة الى عراق فدرالي.
* والآن ماهي شروط الشعب الكردي للتعامل مع القوى العراقية الأخرى؟
– يجب حصر الشروط ببيان هذه القوى موقفها مما يلي:
أولا: مدى إستعدادها لتحقيق الديمقراطية في العراق. ثانيا: مدى إستعدادها لقبول النظام الفدرالي وتطبيقه في العراق كما نراه ونسعى إليه نحن، بمعنى أن يكون نظاما فدراليا قائما على أساس إقليم له صلاحيات كاملة بجميع أنحاء كردستان العراق.
* لتحقيق هذا الهدف هل ترى حاجة الى إنشاء جبهة موسعة لضم القوى العربية والكردية في العراق؟
– أعتقد أن هناك نوعا من التفاهم والتوافق بين القوى العربية والكردية بهذا المجال، فعلى سبيل المثال هناك إتفاق موقع بيننا مع المجلس الإسلامي الأعلى يتضمن الحديث عن عراق ديمقراطي فدرالي برلماني، وتم التطرق أيضا الى مسألة حق تقرير المصير ضمن العراق.
وكذلك لدينا إتفاقات مشتركة مع الحزب الإسلامي العراقي والحزب الشيوعي العراقي، إذن من المهم أن تكون هناك إتفاقات مماثلة مع بقية القوى والأحزاب السياسية العربية في العراق.