ما الذي تختلفون عليه..؟

مع كل دورة انتخابية تطفح الى سطح الاحداث سلسلة متتالية من الصراعات والنزاعات بين واجهات الكتل التي تلقفت مقاليد أمور الغنيمة الازلية “بستان قريش”. والسؤال الذي يطرح نفسه وسط كل هذا العجاج المتصاعد عن ملاحمهم وفتوحاتهم هذه؛ ما الذي يختلفون عليه لينهشوا بعضهم بعضاً بكل هذه الضراوة والهمجية التي شهدناها طوال أكثر من خمسة عشر عاماً من استئصال المشرط الخارجي لما كان يعرف بـ “جمهورية الخوف”..؟ وهنا لابد من الاشارة الى ان القسط الاكبر والاقسى لفواتير حروبهم هذه يسددها “مكاريد” هذا الوطن الممتد من الفاو لزاخو. حيث تبقى حيتان هذه الكتل والحواشي المحيطة بها بمنأى عن كل ضرر وسوء.
عندما نتمعن جيدا بطبيعة الخلافات ونوع الخطابات والشعارات وما يطلقون عليه بـ “برامجهم” السياسية و”جودلياتهم” الآيديولوجية، سنجد غالبيتها المطلقة تعتصم بنفس الغايات والمضامين الاجتماعية والفكرية، وهي جميعها مفلسة تماماً في الموقف من محنة هذا الوطن الفعلية وما يواجهه من مخاطر وتحديات هائلة تهدد وجوده ومصير اجياله الحالية والمقبلة. وهم جميعاً بما فيهم من يدعي تبنيه للبدائل المدنية واليسارية والليبرالية (وهم قلة قليلة لا ترى بالعين المجردة) لا يمتلكون لا الارادة السياسية ولا الوعي ولا الملاكات المطلوبة لمثل تلك التحولات.
هذا النوع من الخلافات والتي تقبع المصالح العليا للوطن والناس في قعر اهتماماتها، كفيلة بجرنا الى المزيد من الكوارث والمتاهات والتي تذوقنا جرعات منها برفقة هذه الطبقة والتي من الظلم وصفها بـ (السياسية) فالسياسة عند الامم التي وصلت لسن التكليف الحضاري معناها واضح ودقيق وهو؛ خدمة الشأن العام، وهذا ما لا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد. مصيبتنا مع هذه الجماعات والتي تحولت الى ما يشبه الديناصورات بفعل ما شفطته بعد حقبة الفتح الديمقراطي المبين عبر مكاتبها الاقتصادية واجنحتها المسلحة؛ تتعاظم يوماً بعد آخر، ودورة انتخابية بعد اخرى، لتعصف بما تبقى لنا من آمال وتطلعات مشروعة لحياة اخرى بعيدة عن خسة وشراهة ما ابتلينا به من قوارض وزومبيات ما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية.
انهم بكل تأكيد لا يختلفون على نوع البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، والذي من أجله وجدت الاحزاب السياسية الحديثة. كما ان آخر ما يمكن أن يشغلهم؛ هو اعادة العافية لجسد مجتمع ووطن أنهكته الحروب والجولات المتواصلة لاعادة تقسيم اسلابه بين المشعوذين واللصوص، وتجربة اربعة عقود من الهيمنة المطلقة للنظام المباد وعقد ونصف من حكم ورثته الحاليين، تؤكد وبكل تفاصيلها مثل هذه الحقائق المريرة. فما الذي سيجنيه العراقيون من اختلافاتهم حول الموازنة على سبيل المثال لا الحصر، ومحور ذلك يدور حول “المالات” وحجم الحصص التي ستتلقفها كل جماعة منهم، وهي بالطبع لن تحيد عن طريقها المجرب والذي يفضي الى المزيد من سطوة تلك الكتل وزيادة في ارصدة وحسابات حيتانها في مصارف دول الجوار ودول ما بعد البحار. وما الذي سيتغير ان خطف السيد الفياض حقيبة وزارة الداخلية أو المرشحين الآخرين لها، وكذلك في باقي الحقائب الشاغرة، وما الذي سيجنيه شعب كوردستان من الموازنة مقارنة بما سيشفط منها لحسابات زعاماتهم التاريخية وما يحف بهم من حاشيات وحبربش، وكذلك الامر في باقي المواقع والمناوشات والتي ستخمد وتستقر في نهاية المطاف بين أحضان السلة الواحدة ذات الرسالة الخالدة…!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة