علوان السلمان
الشاعر معن غالب سباح في مجموعته الشعرية(النصير الثالث والسبعون) التي نسجت انامله الشعرية عوالمها الانسانية واسهمت دار الضياء للطباعة في نشرها وانتشارها/2018 يتحدث عن دراما انسانية تعتمد ثيمة تتمحور حول صراع القيم عبر مخيلة حاضرة ومتحفزة طوال الاحداث لتعيد تشكيل الصورة بشكلها الحدثي الابداعي المعاصر الذي يقوم على التقابل والتضاد بين عالمين مكانيين: أولهما مكان الذاكرة وشخوصها ومكان الواقع وموجوداته، وما بينهما تتحقق حركية التجاذب والتنافر بين الذات والموضوع، اضافة الى انه يحاول الانفتاح على عوالم متنافذة بمستويات متفاوتة يعتمدها المنتج(الشاعر) في بناء نصه الشعري، ابتداء من الفكرة ومرورا باللغة المتفجرة والصورة الشعرية، من خلال تعبيره عن ذاته وتصويره للأحداث بطريقة تثير التساؤل عند المستهلك(المتلقي)، وتسهم في نبش خزانته الفكرية للتأمل والتأويل..ابتداء من العنوان العلامة السيميائية الدالة بلغتها الايحائية ورمزيتها المنحصرة في(النصير الثالث والسبعين) وهو المنتج(الشاعر) للحسين(ع) في واقعة الطف..مع نص اهدائي مواز يسهم في الكشف عن المتن النصي..(الى شهداء الكون في كل زمان ومكان) بتوظيف كل ما تتيحه فضاءاتها من مجازات واستعارات ورموز..
ولنا حسين
مثلما نبغي ونهوى
مثلما شاءت نفوس الثائرين
مثلما حلق مزهوا
كمشكاة بليل كربلائي بهيم
مثلما غيمة حق
تمطر اللاءات في كل زمان
وتغذي جذوة الحق المبين
ايها الموغل في الحب رويدا
انني احمل
عشقا زينبيا للحسين /ص1
فالنص يعتمد السردية الشعرية والحوار الذاتي الجمالي، المهيمنان على جسده الذي يتداخل فيه الصوت (الداخلي والاجتماعي والسايكولوجي)..مع اعتماد المنتج(الشاعر) تقانة التذكر من خلال دواخله الشخصية التي تنظر للواقع من منظورها الذاتي، فضلا عن ان المنتج(الشاعر) يمازج بين الطبيعة والذات والحالة النفسية، بمخيلة خلاقة بنفاذها الى جوهر الاشياء والذاكرة المثقلة بالأضداد، حتى انه يتعمد عند تناوله الموروث الديني الى ان يحرفه عن سياقاته المتداولة، ليشكل مسارا آخر ورؤية اخرى معاصرة، مستندا على رؤيا انسانية شمولية واسلوب ينحو الى شعرية التفاصيل وتجريد اليومي من أطر التاريخ.
الشاعر اعتمد الاستعارة والرمز وكل ما توحي به من امكانات جمالية وفكرية لتحقيق ابعادها الدلالية المحمولة في نسق النص..
متدرعا بالصبر عاد ليرفعه
وأتى حمام الخلد كي يحيا معه
ملك اذا أعددت تيجان الورى
سيقيم عرش الحب عند المشرعه
لقياه عز والفراق مؤرق
وسمو مصرعه يشاهد مصرعه
وحواره الماء الذي لما دنا
والسبط في عطش رمى مستنقعه / ص6
فالشاعر يمزج في صوره الشعرية التخييلي والحسي، ليخلق موقفا يطرح فكرا ويكثف تجربتة بلغة تحمل روح الموروث وفصاحته مستعينا بقدرته اللغوية ورؤيته الشعرية المتصلة بطبيعة تكوينه الفكري(الحسيني) والروحي، لذا فهو يتفاعل مع الواقعة بكل موجوداتها عبر توظيف ضمير الغائب ليجعل من المستهلك (المتلقي) حاضرا بوجده ووجدانه، متأملا ومنقبا في ثنايا النص للكشف عن كوامنه الايثارية وحل رموزه، كونه نص مفتوح بتجاوزه الازمنة واشتغاله على آليات ابداعية تمزج ما بين الذاتي والموضوعي وفق اشتراطات فنية ولغة خالية من التقعر والضبابية، فيقدم صورا ببوح شعري مخزون في دواخله يعكس مدى ارتباطه بموضوعه الشعري..
خذني اليك فكل قطر من دمي
نادى عليك
وكل نبض من هوى روحي لديك
فاليوم تاسوعاء والليل القصير
ينوء بالوجع الثقيل
مضمخا حزنا عليك
ياراحلا عن هذه الدنيا
الى شمس الحقيقة
ومشعلا كبد المصابيح الانيقة
ناصعا في مقلتيك
اسرج دمائي زيت قنديل
ودعني اسرد الحب العنيف
بساحتيك / ص48 ـ ص49
فالشاعر تسيطر عليه المؤثرات الخارجية مسهمة في بلورة الفكرة والاستغراق في عوالمها فتندمج بوجدانه وتحضر في صورها بلغة تمتلك مؤثرها الجمالي وقدرتها التواصلية المانحة للصورة الشعرية المكتنزة بمضامينها النفسية والاجتماعية، وبذلك قدم الشاعر نصوصا تستمد شعريتها من ذاكرته ومشاهداته التي تحمل رؤيته للواقع واشكالياته برؤية ابداعية متناغمة الرؤى، متفاعلة في انساق مكتظة بالحيوية.