المدى الزمكاني.. في قصائد ديوان (خواطر قلقة) للشاعر عبدالعزيز ألبياتي

منور ملا حسون

حين تبدأ اللقطة الشعرية بمديات مفتوحة نحو الإنفتاح ألزماني إلى أقصى حدوده ، ولعل استهلال القصيدة بالغد الوردي ، دلالة سيمائية ذات الحس التفاؤلي ،عند الأديب الشاعر (عبد العزيز سمين ألبياتي ) ذلك الحس الذي يبلور مشاهد القصيدة بتجليات مكتظة بصور شعرية منسوجة بخيوط وردية
في ذلك الغد الوردي المرتقب
في جنة ذاك الحلم المنتظر
تمتص الشمس داكنات الظلام
والعصافير ترقص مخمورة جذلى .
في قصيدة (ويذوب الحديد) والتي هي إحدى قصائد مجموعته الشعرية (قيد الطبع) يأخذ المدى ألزماني (في ذلك الغد الوردي ـ في ذلك الغد القدرـ في ذلك الغد الموعود( حضورا واسعا في مشاهد تشكيلية مع المدى المكاني في لقطات شعرية متداخلة
)في جنة ذاك الحلم المنتظر ـ الموتى من الأجداث ينسلون ـعند محراب فجرنا الفريد(
انه تداخل المديين ألزماني والمكاني مع الاحتفاظ بخصوصية كل مدى.. ثم ينهي القصيدة بلقطة تفاؤلية يتمحور فيها المديان
فيذوب الجليد
وتغور في أعماق الماضي
دماء وحديد
وفي أعماقنا من جديد
تخضر شجيرة القصيدة .
منذ أواخر الخمسينات وأديبنا (ألبياتي) يرفد المكتبة التركمانية والعربية بدراسات قيمة ، تنم عن عمق تفكيره ودقة تحليله واطلاعه الواسع على عالم الأدب التركماني في كتابه (شاعرية فضولي البغدادي) و(الغزليات في ملحمة ليلى ومجنون لفضولي البغدادي) ومن نتاجاته في مجال الدراسات التحليلية والتي عزز ثقافتنا بها كتاب تناول فيه الشاعر التركماني (عماد الدين نسيمي البغدادي) ، (تأملات في الدين والحياة) أما نتاجه (الإنسان في المرآة ) فهو مجموعة رباعيات صاغها الشاعر وفق فلسفة خاصة ،تتعامل مع مصير الإنسان ـ الحياة ـ الكون ـ القدر.
تتخذ السردية طابعا مميزا في أبيات قصيدة (عبث) والتي منحتها خصوصية تعبيرية تؤطره هيمنة الماضي في لجوء الشاعر إلى استعمال أفعال ماضية في معظم مساحات الشعر(كنت ـ أحمل ـ أعانق ـ أحتسي ـ مسّني ـ فرميت ـ كبرت ـ جبت ـ مسحت ـ أحرقت ـ رقدت…) إلى جانب ذلك يلجأ الشاعر إلى جمع عالمين مختلفين في عبارات سردية تمنح التعبير سمة مميزة تعبر عن ازدواجية الأحاسيس
(احمل قلبا نقي الهدب /مضبب الدرب) و (وأنا ابحث عن الجوزاء / بلهف ، بجزع ، بحنين)
والعناصر الفنية والجمالية والتعبيرية ، يجعل من النص وحدة فنية وتشكيلية ، يتناغم التخيل في فضاءاتها بحرية
جبت دهاليز البحار بزورق بلا مجذاف / بلا سمار .
لم يحتشد جسد القصيدة بكلمات لملء الفجوات ، وإنما سعى الشاعر إلى تأثيثه هندسيا وإيقاعيا
مسحت معالم الطريق
أحرقت زورقي الرقيق
ثم رقدت رقدة الرقيق، عازما أن لا
أفيق
وعساي أن لا… أفيق .
ويحاول الشاعر بث دائرة صورية مؤسطرة إلى جسد القصيدة ، لتأخذ ديناميتها في التأثير على ذهن القارئ
فرميت في بحر السماء سنارتي
ومشيت
أطوي شعاب التبانة وأزقة الكبش
ويقول أيضا
كبرت
لأصارع النمل والتنين
وأبقر البطون .
كانت هذه رحلة قصيرة في فضاء نصوص منتقاة من ديوان (خواطر قلقة) لشاعرنا عبدالعزيز ألبياتي …ورغم قلق تلك الخواطر، إلا أنها تتميز بدلالات ، تتسلل إلى ذهن القارئ لتتجلى في انفعاله الوجداني مع النص ، ذلك الانفعال الكامن في دواخل الشاعر والذي يصبه صورا شعرية بمداد قلمه الذي لا ينضب … ولن ينضب .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة