د. أسعد كاظم شبيب
قدم رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي منهاجه الوزاري للرأي العام لمعرفة التوجه العملي للحكومة المقبلة، وللجهات ذات الصلة ومنها أعضاء مجلس النواب العراقي، قبيل إنعقاد جلسه نيل الثقة بساعات قليلة، يتضمن المنهاج الوزاري خطط، وأهداف، وإستراتيجيات للسنوات الأربعة من عمر الحكومة (2018 – 2022) في شتى المجالات الداخلية، والسياسة الخارجية، ويتكون المنهاج من المقدمة، ومصادر المنهاج، وخمسة محاور أساسية، وملحق بتفاصيل برامج الوزارات، وقد حاول رئيس الوزراء الإعتماد على عدة مصادر في إعداد المنهاج الوزاري منها: الدستور العراقي النافذ كمرجعية قانونية، وورقة أعدها عادل عبد المهدي بنفسه للحكومة المقبلة، وورقة مقدمة من بعثة الامم المتحدة، وخارطة الطريق لتحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة 2030، وخطط تنموية للسنوات المقبلة، وخطط أخرى أعدتها الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي منها الإستراتيجية الوطنية لتخفيف الفقر في العراق، والمبادرة المجتمعية لدعم البرنامج الحكومي وخطة إعادة الإعمار ودعم الاستقرار في المناطق المحررة، ومسودة البرنامج الحكومي، إلى جانب مقترحات البرامج الحكومية المقدمة من قبل بعض الكتل السياسية. أما محاور المنهاج الوزاري الخمسة فهي كالآتي: المحور الأول: أهتم بمسائل إستكمال بناء أسس الدولة الإتحادية الواحدة ونظامها الجمهوري النيابي الديمقراطي.
المحور الثاني: أشار إلى مسائل سيادة النظام والقانون، وتعزيز الأمن الداخلي والخارجي. المحور الثالث: أختص بالاستثمار الأمثل للطاقة والموارد المائية. المحور الرابع: تعلق بالتزامات تقوية الاقتصاد العراقي. المحور الخامس: أهتم بملف الخدمات والتنمية البشرية والمجتمعية، وقد وضع المنهاج مدد زمنية متباينة في إنجاز جوانب هذه المحاور قسمت إلى:
سريع وهو يمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر، ومتوسط وحدد من سبعة إلى 18 شهراً، وطويل من 19 إلى 48 شهراً. أما عن قراءة ما تضمنه المنهاج الوزاري في محاوره الخمسة، فلنا أن نشير إلى أن هذا المنهاج ضم مسائل عائمة واستهلاكية ضمن مفردات الخطاب السياسي الكتلوي – السلطوي منذ العام 2003 وإلى اليوم، كتلك المتعلقة بمحاربة الفقر، والقضاء على البطالة، والإرهاب، والفساد، وتحسين ملف الخدمات ومنها توفير الكهرباء والماء، وبناء دولة المواطنة، والإرتقاء بالاقتصاد العراقي، وإيجاد نظام الحوكمة الإلكتروني، والحفاظ على السيادة، ورفض الإعتداء على دول الجوار، والوقوف على الحياد في الصراعات الخارجية وغير ذلك من المسائل التي غالبا ما تكون مادة نظرية للاستهلاك المحلي ليس إلا.
لكن هناك إشارات إيجابية تضمنها المنهاج الوزاري لحكومة عادل عبد المهدي، فعن بناء الدولة وترصين نظامها النيابي الجمهوري أكد المنهاج الوزاري على مسألة تفعيل الدستور والعمل على الجانب التشريعي من استكمال تشريع القوانين وألغاء المخالفة للدستور، ووضع صندوق خاص بالاستفتاء مع كل إنتخابات تشريعية أو محلية لأجراء التعديلات الدستورية التي يقرها مجلس النواب، ووضع الأسس المطلوبة لتعاون السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية والقضائية لتوحيد الفلسفة التشريعية والقانونية، وإذا ما نجحت حكومة عادل عبد المهدي في تذليل التحديات التي قد تواجه مسائل بناء وترصين النظام السياسي العراقي الجديد على وفق دستور عام 2005 فأنه قد يضع الأسس الأولى لتحول النظام السياسي من الفوضوية السياسية التي رافقت النظام السياسي طوال السنوات الماضية إلى مرحلة اللا فوضوية. وعلى المستوى التنفيذي، يسعى المنهاج إلى تقنين عمل السلطة التنفيذية بدءاً من هيكلة مجلس الوزراء، ومن ثم ترشيقه، وتبسيط الأعمال والمناصب غير الضرورية التابعة له، والعمل على مراجعة النظام الداخلي لمجلس الوزراء، ولعل عادل عبد المهدي وهو أحد أبرز الوجوه السياسية التي لعبت أدوار مهمة في كل مراحل العملية السياسية الجديدة بعد عام 2003 يدرك الخلل الذي أصاب مجلس الوزراء منذ الولاية الأولى لنوري المالكي في العام 2006، وقد حاول العبادي أن يعالج بعض المسائل في مجلس الوزراء ويبدو أنه أخفق في قسما منها أو غير مرضية بالنسبة لعادل عبد المهدي والجهات السياسية الداعمة له.
ولأجل إستعادة الوزارات من هيمنة القوى والأحزاب السياسية يسعى المنهاج الوزاري إلى إصدار (قانون الوزارات) للتعريف بمهام الوزارات وواجباتها وجعلها الأساس لعمل الوزارة والوزير ومجلس الوزراء ورئيسه وطبيعة علاقته بالسلطات التشريعية والقضائية، وإنهاء العمل بالوكالة للدرجات الخاصة، وهناك تأكيد في أكثر من محور على مسألة إحلال نظام (الحوكمة الإلكتروني) وضمن الخطط الطويلة الأمد بدل (الأنظمة الورقية البيروقراطية)، في محاولة للتخلص من الصعوبات التي تواجه المواطنين في الدوائر الرسمية في أغلب الوزارات، إلى جانب تقليل حالات الفساد والرشاوي التي ترافق النظام الورقي في المعاملات، وقد شمل نظام الحوكمة أغلب الوزارات حتى دوائر وزارة العدل ومنها دائرة العقارات، واستحصال الضرائب والتي بدورها لا تكون وفق المنهاج الوزاري إلا بخدمة، وإذا ما عملت حكومة عبد المهدي بهذا المبدأ العالمي فأنه قد يتفوق على سلفه العبادي الذي كانت حكومته تستحصل الضرائب لكن من دون خدمات في محاولة منه لسد النقص الحاصل جراء إنخفاض أسعار النفط، من جانب ثاني شمل المنهاج الوزاري في رسم خطة عمل لكل وزارة من وزارات الدولة بما يناسب وطبيعة المهام الموكلة بها، ومنها وزارات التخطيط، والعمل والشؤون الاجتماعية، والتعليم، والتربية، والثقافة، والصحة، والصناعة، والاسكان والبلديات، والنقل، والاتصالات، والموارد المائية، والزراعة، فضلا عن أهداف وزارات الخارجية، والداخلية، والدفاع، والمالية للمرحلة المقبلة.
وقد أتسم المنهاج الوزاري بالجانب الخدمي لكنه لم يغفل تطوير الجانب الإستخباراتي وقوات مكافحة الإرهاب، وقوات الشرطة الإتحادية لتتحمل مسؤولية مسك المدن بالكامل وإحالة القوات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع إلى خارجها.ويسعى المنهاج الوزاري إلى تنظيم وصيانة الحريات العامة من خلال إشاعة ضمان الحريات والعمل على سوء استعمال ملف الإساءة للحريات في إشارة إلى حالة الفوضى الحاصلة في مجال الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. كما جاء في المنهاج كيفية ضبط الحياة الحزبية في العراق من خلال إعادة النظر بقانون الأحزاب، ونظام الانتخابات ليكون عادلا ومنسجم مع تحديات المرحلة، لكن ومن دون شك سيصطدم عبد المهدي في مشاريعه الإنضباطية هذه بتوجه الكتل السياسية والحزبية التي وضعت قانون الأحزاب السياسية ذو الرقم (36) لسنة 2015 وفقا للمصلحة الحزبية الضيقة، كما تعارض الاحزاب إيجاد قانون انتخابي مختلف عن قانون سانت ليغو النافذ أو ما شابه له لضمان استمرار نفوذها السياسي في المواقع الرسمية، وهو بذلك يضع يده على خلل كبير سبق وأن أشارت إليه قوى سياسية، وشخصيات أكاديمية، ومرجعيات دينية.وسكت المنهاج الوزاري في سياق آخر عن التشريعات غير العادلة التي منهجت الطبقية الاجتماعية وخلقت فوارق كبيرة بين المواطنين عبر الامتيازات المادية والمعنوية التي تمنح لفئات معينة لأسباب سياسية على حساب فقر وبطالة الكثير من العوائل العراقية برغم من إشارة المنهاج في أكثر من مناسبة إلى وضع الحلول التي تقلل من حالات الفقر المنتشرة، وتوفير العيش الكريم والمناسب لجميع المواطنين في العراق.وقد كانت الإحتجاجات الأخيرة التي شهدتها محافظة البصرة حاضرة في المنهاج الوزاري من خلال إشارته إلى سعي الحكومة على معالجة ملف (الخدمات بالبصرة) والمحافظات الأخرى التي شهدت إحتجاجات كبيرة، وكذلك المحافظات التي تعرضت لعمليات عسكرية ونزوح سكاني أثناء طرد تنظيم داعش الإرهابي منها، كما نص المنهاج على أهمية معالجة الملفات العالقة من موروث قبل عام 2003 وبعده، وربما من أهمها ملف العلاقة بين الحكومة الإتحادية وإقليم كُردستان، والنزاع بشأن كركوك، وتصدير النفط، وحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، وكذلك مسألة تعارض الصلاحيات بين المحافظات، والحكومة الإتحادية، ويبدو أيضا أن الحكومة متجهة نحو تنمية القطاع الخاص في كل المجالات ومنها مجال التربية والتعليم، كما أن الحكومة المقبلة تعول كثيرا على الاستثمار في تطوير الاقتصاد الوطني، والقضاء على مسائل السكن، وتوفير فرص العمل لآلاف العاطلين من الشباب ومنهم خريجي المعاهد والجامعات، فقد جاء في المنهاج الوزاري: «الإستثمار، الوسيلة الأساسية للتخلص من الاقتصاد الريعي والإعتماد على النفط لإنطلاق الاقتصاد الوطني الحقيقي والتصدي للبطالة ونقص الخدمات والفقر، والمرض، والإرهاب، والسلم، والاستقرار الاجتماعي».كما أورد المنهاج مسألة التدريب الطوعي للعراقيين للسن (18 ــ 22) بالقوات المسلحة في محاولة من الحكومة لكسب ثقة الشباب، وتنمية روح المواطنة، ويضمن المنهاج للمتطوع سبل متقدمة في القبول ضمن صفوف القوات الأمنية، وفي سياق آخر يشير المنهاج إلى أن الشعب هو الجيش الحقيقي للبلاد ومن صفوف الشعب تتكون القوات المسلحة من جيش، وشرطة، وحشد، وبيشمركة وأي قوات أخرى تؤسس على وفق القانون والنظام، في محاولة لضم هذه القوات إلى المؤسسات الرسمية وإنهاء ظاهرة السلاح السائب التي قد تكون العناوين المذكورة سببا من أسبابها فضلا عن الأسباب العشائرية، وعصابات الجريمة المنظمة في ظل التراخي الأمني، وغياب تطبيق القانون.
وكان لملف مكافحة الفساد والهدر العام خطة تتضمن مايلي: معالجة جذور الفساد من خلال مراجعة منظومة القوانين والأنظمة والتعليمات والضوابط التي تسمح للمفسدين باستغلال الثغرات والتناقضات، كما تسعى الحكومة في منهاجها إلى ملاحقة المفسدين والتضييق عليهم بجميع السبل المشروعة، وأضن هذا الأمر هو الأصعب بالنسبة لحكومة عادل عبد المهدي كما كان بالنسبة لسلفة العبادي. وقد يسجل به عبد المهدي تفوقا على حكومة العبادي إذا ما فعل هذه الإجراءات إضافةً إلى تفعيل مجلس النواب ودور الرقابة كهيئة النزاهة والمفتش العام لدورها الرقابي والتشريعي، ووضع المعالجات الإستراتيجية الأخرى التي نص عليها المنهاج منها تفعيل القوانين والأنظمة للوصول إلى مقاييس واضحة لوصف جميع الوظائف، والعقود، والأعمال، والخرائط، والمخططات والانظمة، والتطبيقات بما يتناسب والمعايير المعمول بها في الدول المتقدمة، كما أن مبدأ سيادة القانون على الجميع ضرورة من ضرورات الخلاص من الفساد ويطال هذا المبدأ حتى الوزير والدرجات الأخرى بغض النظر عن الإنتماء السياسي والحزبي إذا ما أخل المسؤول بعمله أو شموله بحالة فساد. وتبنى المنهاج الوزاري على صعيد السياسة الخارجية ذات السياسة التي أتبعها العبادي في موقف العراق من الأزمات الإقليمية بعدم الإنضمام إلى أي محور من المحاور المتصارعة دوليا وإقليميا والوقوف على الحياد وعدم السماح بالإعتداء على أي دولة إنطلاقا من أراضيه، وإحترام الدور الدبلوماسي داخل العراق وعدم التهاون في أي إساءة، لكن يسعى عبد المهدي في ضوء شكل التحالفات السياسية والبرلمانية المنقسمة سياسيا في التعامل مع القضايا الخارجية خصوصا مع ملف العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة على إيران وبينهما علاقة العراق بتركيا والسعودية، بمنهج وسطي من خلال الإشارة إلى أن العراق ليس جزءا من أي منظومة للعقوبات والحصار خارج الشرعية الدولية.
مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية