د. أسعد كاظم شبيب
أفرزت انتخابات التجديد النصفي على المستويات الثلاثة (مجلس النواب، مجلس الشيوخ، وحكام الولايات) في الولايات المتحدة الاميركية، عن تقدم الحزب الديمقراطي في مجلس النواب بعد أن كانت الأغلبية للحزب الجمهوري، كما حافظ الحزب الجمهوري على تواجده في مجلس الشيوخ، وسجل الحزب الديمقراطي تقدما على مستوى حكام الولايات، إلى جانب صعود شخصيات من الأقليات المهاجرة من (عرب، وأفارقه، ومسلمين) كما هو الحال في صعود الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، والصومالية المهاجرة الهان عمر، وهذا الفوز بالإنتخابات بحد ذاته يعكس تخوف الأقليات الأميركية ذوي الأصول المهاجرة والمسلمة من سياسات ترامب الإقصائية إتجاه المهاجرين.
وتأتي هذه الانتخابات في ظل تكهنات كثيرة سبقت الانتخابات حيث ترسم هذه الانتخابات من خلال قياس مزاج الناخب الأميركي مستقبل الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب في دورته الحالية، أو إنتخابه لدورة ثانية لإدارة البيت الأبيض، وبرغم أن النتائج أحدثت تقدما لصالح الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، لكن بقى الحزب الجمهوري محافظا على تواجده في مجلس الشيوخ ذات السلطة الكبيرة في الموافقة على تشريع القوانين، ورسم السياسات العامة للدولة وعزل ومحاكمة الرئيس، مما يعني أن تأثير هذه الانتخابات على ترامب ستبدو من خلال الآتي:
1- إن تقدم الديمقراطيين في مجلس النواب وحصولهم على الأغلبية من دون شك يعد إنتصارا كبيرا للحزب الديمقراطي سيما أن الحزب قد خسر هذه الأغلبية منذ ثماني سنوات، أي بعد سنتين من تولي الديمقراطي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، وبالتالي فإن هذا الإنتصار سيمكن الحزب الديمقراطي من الوقوف بقوة بوجه التشريعات التي يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمريرها ورفض الغاء قوانين شرعت في فترة الرئيس السابق باراك أوباما، بمعنى أن التشريعات المثيرة للجدل ذات المنحى الداخلي سيتعامل معها الديمقراطيون بعد سيطرتهم على مجلس النواب بمنطق الرفض، أما التشريعات والمسائل الخارجية فلا يتوقع تمكن الديمقراطيون من ذلك لأن هناك من يستطيع أن يراعي أجندات الرئيس في مجلس الشيوخ، وهو كما أشرنا ما يزال الجمهوريون محافظون على أغلبيتهم فيه، وبالتالي من مصلحة الجمهوريين المحافظة على تواجد الرئيس في البيت الأبيض كشخصية محسوبة على الحزب الجمهوري.
2- في ضوء تقدم الديمقراطيين في مجلس النواب ومحافظة الجمهوريين في مجلس الشيوخ سيكون هناك تغيير على مستوى التعامل مع الملفات الداخلية كتلك المتعلقة بقانون الضمان الاجتماعي أو ما يعرف (أوباما كير) أو تلك المتعلقة بالهجرة واللجوء، أو تشريع قانون يسمح بتناول أنواع من المخدرات في بعض الولايات مما عُدّ إستفزازا لبعض الأقليات كما حصل في ولاية مشيغان وغيرها، أما المسائل الخارجية سيكون للديمقراطيين رأياً معارضاً لتوجهات ترامب لكن هناك سلطة مجلس الشيوخ مما يعني استمرار السياسة الخارجية التي تبناها ترامب كسياسته اتجاه إيران، وإنفتاحه على كوريا الشمالية، والتصعيد بحربه الاقتصادية مع الصين، وتوفيره الدعم الكامل لإسرائيل، وسياسته النفعية مع دول الخليج ومن دون وجود إستراتيجية واضحة في التعامل مع الملف السوري، واليمني، والليبي.
3- لا تأثير كبير سيحصل بعد هذه الانتخابات على عزل أو محاكمة الرئيس دونالد ترامب في المدة المتبقية من ولايته الأولى، وذلك لإستمرار الحماية التي سيوفرها له مجلس الشيوخ للصلاحيات الممنوحة له.
4- تبين من خلال هذه الانتخابات أن الرئيس الأميركي ما يزال يحافظ على مؤيديه التقليديين الذي حقق من خلالهم الانتصار في الوصول إلى البيت الأبيض على حساب الديمقراطية هيلاري كلينتون، رغم خسارة حزبه لمقاعد كثيرة في مجلس النواب، لكن في قبال ذلك نال مرشحي الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ بثقة الناخبين مما أعطي للرئيس الأميركي دونالد ترامب أريحية في أن يبقى على رأس البيت الأبيض في العامين المتبقين من ولايته الأولى برغم الفضائح الجنسية التي تتعلق بالرئيس، وفضائح الانتخابات الرئاسية ورفض سياسته الخارجية كتلك المتعلقة بالخروج من الإتفاق النووي، فضلا عن التعامل مع دول الإتحاد الأوروبي.
وعليه ان هذه الانتخابات قد تعطي دونالد ترامب فرصة سانحة في تجديد ولايته لدوره ثانية في إدارة البيت الأبيض، وهو يعول أيضا على إخفاقات الديمقراطيين في مجلس النواب أو تصدي شخصيات ديمقراطية لمواقع مهمة في مجلس النواب كرئاسة المجلس أو اللجان الأساسية التي تتسم بالضعف ولا تحظى بشعبية كبيرة في أوساط أنصار الحزب الديمقراطي فضلا عن أنصار الجمهوريين والمستقلين مما يجعل هناك توازن بالقوى على مستوى الشارع الأميركي إذا ما قورنت شخصية ترامب بشخصيات ديمقراطية في مجلس النواب، لا سيما في ظل هيمنة الشعبوية في الولايات المتحدة،والتي اسهم في صعودها دونالد ترامب نفسه وما يزال يرى فيها رصيد إنتخابي كبير والذين يشكل المتعصبين من البيض، والمستفيدين من برنامجه في التوظيف جزءا أساسيا منها.
* مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية