مذكرات الرئيس جلال طالباني

رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
الحلقة 23
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
إستئناف القتال و الدعم الدولي للكرد
* مع إستئناف القتال دخلت المسألة الكردية الى مرحلة جديدة بدأت بإعلان الدول الإشتراكية دعمها للقضية الكردية ثم لجوء الشيوعيين الى كردستان وتحريك القضية الكردية على صعيد الأمم المتحدة من قبل الإتحاد السوفيتي عبر منغوليا، فهل هذه التطورات تم إستغلالها لصالح القضية؟
– نعم، وأعتقد بأن تلك المرحلة كانت بداية تدويل القضية الكردية، فقبل إستئناف القتال وبعد سقوط حكم قاسم كنت وصالح اليوسفي في أول زيارة لنا الى بغداد، وإجتمع حولنا عدد كبير من الصحفيين العراقيين والأجانب والكل يريد أن يعرف موقف ثورة كردستان مما حصل وخاصة موقفنا من الحكومة الجديدة، كما كانوا يريدون أن يعرفوا حصيلة المفاوضات التي بدأت. ولذلك كنت ألتقي بعشرات الصحفيين وبشكل يومي تقريبا، وكانت الحكومة قد سمحت لعدد محدود من الصحفيين بزيارة الملا مصطفى وعقد اللقاءات الصحفية معه، وكل ذلك الإنفتاح الإعلامي ساهم في إيصال القضية الكردية الى مسامع الرأي العام العالمي والأوساط والمحافل الدولية. والسبب الثاني لوصول أصداء الثورة الى المجتمع الدولي هو المجازر التي إرتكبها النظام البعثي الجديد ضد الشيوعيين، وهذا ما دفع بالدول الإشتراكية وجميع الأحزاب الشيوعية في العالم أن تنبري لإدانة الحكومة العراقية الجديدة، ولذلك إهتمت جميع وسائل الإعلام في الدول الإشتراكية بأخبار العراق وبدأت تنقل لحظة بلحظة أخبار الشيوعيين والديمقراطيين في العراق وكذلك أنباء الثورة الكردية وأصبحت أخبار ثورة الشعب الكردي تحتل صدارة الصفحات الأولى من صحف ومجلات العالم.

* وهل تلك الأصداء كانت على المستوى المطلوب؟
– بالطبع..فكما حصل عند قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، إنتشرت أخبار القضية الكردية ونضال شعبنا العادل كالنار في الهشيم بجميع أنحاء العالم. فالصحف الشيوعية في أنحاء أوروبا تتحدث بكثافة عن القضية الكردية، وكما هو معلوم فإن الأحزاب الشيوعية والدول الإشتراكية تتحدث بلغة واحدة من خلال منظماتها المهنية كالطلبة والشباب والنساء والعمال والفلاحين كلها جندت لإدانة سياسة حكومة بغداد. وأحدثت تلك التغطيات الأخبارية ضجة كبرى في العالم، فقد بدأت الصحف العالمية الكبرى تهتم لأول مرة بالقضية الكردية، فعلى سبيل المثال أوفدت نيويورك تايمز دانا أدم شميدت الى كردستان، ثم أعادت إيفاده مرة أخرى بعد سقوط حكم قاسم. وجاء إيريك رولو عن طريق سري من إيران وأقام عندنا وأخذناه معنا خفية الى بغداد، وكانت لوفيغارو الفرنسية قد أوفدت مندوبا عنها الى بغداد، وكما هو معلوم فإن هذه المؤسسات الصحفية مهمة ومشهورة على مستوى العالم.

دور الإتحاد السوفيتي و أوروبا الغربية و العرب
*وماذا عن دور الإتحاد السوفيتي و المعسكر الإشتراكي عموما لدعم القضية الكردية؟
– كانت المفاوضات عموما تحظى برضا الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي، وحين بدأناها كنت على إتصال يومي بشخص سوفيتي، ثم أصبح بمثابة مستشار لي ويدعى زاديسيف، وقد توفي قبل فترة قليلة وإلتقيته في لبنان حين كان سكرتيرا بالسفارة السوفيتية هناك. كان السوفييت يدعمون قضيتنا بشكل جيد، وكانوا يوصوننا بأن نحل القضية عن طريق الحوار والتفاوض، لأنهم كانوا يخشون أن تتوحد كل من تركيا وإيران والعراق ويسعون جميعا للقضاء على الكرد، وخاصة أن حكومة البعث كانت ترتكب أعمالا وحشية ضد الناس. وكان السوفييت يريدون الحفاظ علينا وعلى ثورتنا، والأميركان أيضا نصحونا بأن نحل المسألة سلميا، وكنت ألتقي سفراء فرنسا وألمانيا والدول الإشتراكية، وكذلك السفير الصيني الذي تلاسنت معه مرة لأنه كان يؤيد بشدة الحكومة العراقية.
ففي إحتفال بالسفارة الصينية جاءني السفير للترحيب بي فقلت له “هل مازلت عند موقفك من معارضة حق الشعوب في تقرير المصير”؟ رد “لا لست كذلك، وأنت لم تفهمني في البداية”! قلت “لا..لقد فهمتك جيدا، فأنت بمعارضتك لحق الشعوب بتقرير مصيرها إنما تخدم وتؤيد سياسة حكومة ديكتاتورية تقتل الشيوعيين”، قال “هؤلاء ليسوا شيوعيين بل منحرفون”! قلت له “ياسيد هؤلاء يقتلون لأنهم شيوعيون! والحكومة العراقية ليست حكومة ماركسية لينينية حتى يقال بأن هؤلاء إنحرفوا، هم يقتلون بجريرة أنهم شيوعيون”. بعد هذه المحادثة غاب عن الإحتفال. ولقيت السفير الفرنسي هناك وكان رجلا ودودا فحملته برسالة الى الجنرال ديغول، قال “على العين والرأس سأبلغه برسالتك، وإعلم بأن الجنرال يتعاطف معكم ويتمنى انتصار قضيتكم ونضالكم”. كان الصحفيون ينهالون علي، حتى الصحفيين الأتراك جاءوا أيضا وصوروني ونشروا أخبار الثورة الكردية على نطاق واسع بصحفهم.

* الصداقة التي نشأت بينكم والقيادة المصرية و أصداء القضية الكردية في الإعلام العربي من جهة، وإستئناف القتال ضد الكرد من جهة أخرى، ألم يؤثر كل ذلك في علاقة مصر بالعراق؟
– أريد أن أقول لك شيئا، حين نشرت جريدة “الأهرام” أخبار “الثورة الكردية” إحتجت الحكومة العراقية بشكل رسمي لتسمية حركتنا بالثورة، ولكن محمد حسنين هيكل رئيس تحريرها كتب مقالا إفتتاحيا ردا على تلك الإحتجاجات وأحدث المقال ضجة كبرى في ذلك الوقت. فالقضية الكردية أصبحت معروفة على المستوى الأوروبي، ولذلك حين جئت الى أوروبا كانت الأجواء باتت مهيئة للتحرك الدبلوماسي، وفي الحقيقة كان رفاقنا هناك نشطين جدا، وخاصة جمعية الطلبة الكرد في أوروبا كان لهم دور متميز.فعلى سبيل المثال، حين وصلت فيينا جاء الدكتور وريا أمين رواندوزي لإستقبالي مع مجموعة من الرفاق وأتوا معهم بمجموعة من الصحفيين الى المطار منهم مراسلو الإذاعات والتلفزيونات و وكالات الأنباء وتحدثوا بشكل إيجابي عن القضية الكردية، بالإضافة الى ذلك إلتقيت هناك بالعديد من قيادات الأحزاب السياسية المختلفة.

* وماذا كانت مواقف دول أوروبا الغربية من القضية الكردية؟
– حين تجدد القتال ذهبت الى باريس، وهناك أيضا جاء صحفيون الى المطار، وكانت الصحف الفرنسية تنشر وقتها العديد من المقالات لصالح القضية الكردية، ودعيت من قبل العديد من رؤوساء الصحف الكبرى هناك الذين أرسلوا مندوبيهم الى كردستان لتقصي الأخبار. وأتذكر منهم رئيس تحرير صحيفة لوفيغارو التي كانت صحيفة محافظة و كبيرة ومؤثرة على الصعيد الفرنسي، فأقام حفلة كوكتيل على شرفي دعا إليها العديد من الصحفيين والشخصيات الفرنسية، كما دعاني رئيس تحرير صحيفة “لومانتيه “لسان حال الحزب الشيوعي الفرنسي، وأهداني قنينة شامبانيا فاخرة وقال “هذه النوعية من الشامبانيا نقدمها فقط لأعز أصدقائنا”. وكانت هذه الصحيفة كأنها صحفنا الكردية تنشر جميع أخبارنا أولا بأول و إستقبلني رئيس تحرير صحيفة “لوموند” وأقام حفلة على شرفي أيضا دعا إليها محرري جميع الأقسام، ولقيت إهتماما كبيرا منهم. وكان الإنكليز هم الوحيدين الذين إمتنعوا عن إعطائي تأشيرة دخول الى بريطانيا، وقالوا “ستخلق لنا مشكلة في علاقاتنا مع الحكومة العراقية”، ودعني أروي لك هذه الحادثة الطريفة.
كتبت رسالة الى هارولد ويلسن الذي كان حينذاك رئيسا لحزب العمال المعارض، تحدثت فيها عن القضية الكردية. ورد على الرسالة ردا جميلا ووعدني بأن يطرح القضية الكردية على بساط البحث داخل البرلمان البريطاني. وفعلا أوفى بوعده حيث ناقش البرلمان القضية وأثاروا هناك أسباب تزويد العراق بالأسلحة لقتل الناس، وكذلك أسباب عدم منحي تأشيرة دخول بريطانيا. وبعد سنة وصل حزب العمال الى الحكم ، وكنت حينها في برلين، فذهبت لطلب الفيزا البريطانية، ولكن القنصل البريطاني قال لي “سأعطيك التأشيرة ولكن بشرط أن تعدني بأنك لن تتحدث عن شيء يفسد العلاقة بيننا وبين الحكومة العراقية”. فقلت له “لن أقبل بأية شروط، فإما تعطيني التأشيرة وأنا حر فيما أٌقول، أو لا أريدها”. فإمتنع عن إعطائي التأشيرة. ولذلك كتبت رسالة الى هارولد ويلسن وقلت فيها “في السابق إمتنعت حكومة المحافظين عن إعطائي التأشيرة، وأنت بالذات إنتقدت ذلك الموقف في الرسالة التي كتبتها لي، وها أنتم حكومة العمال تمتنعون أيضا عن إعطائي التأشيرة”. ووصلت رسالتي إليه بعد عدة أيام فإتصل بي القنصل البريطاني وقال ضاحكا “لقد صدرت الأوامر إلي بإعطائك الفيزا بعد أن شكوتنا”!
وفي بريطانيا قمنا بنشاطات متعددة، فقد نظم أعضاء البرلمان إجتماعا موسعا معي، وهناك داخل أروقة البرلمان صادفنا هارولد ويلسن، فقدموني اليه، وكانت للقضية الكردية في ذلك الوقت صدى واسع وتحتل أولويات إهتمام دول العالم، وكنت في أوروبا أتحدث بعقلانية وبهدوء عن القضية. وفي الحقيقة عاوننا عبدالناصر كثيرا في طرحها على المستوى العربي أيضا، حتى جبهة المحافظين العرب أيدونا مثل الملك الحسين. وكان الملك فيصل حينذاك مازال أميرا، وكان مقاطعا لأخيه الملك ويقيم في أوروبا، وبواسطة سفيرهم في روما عقدنا العلاقة معه وجاء الى فيينا وإلتقينا هناك.
حازت القضية الكردية في تلك الفترة على إهتمام العالم، فحين طلبت الفيزا لزيارة أميركا لم يترددوا للحظة. ففي أمسية للطلبة الكرد دخل علينا شخصان من السفارة الأميركية وأبلغا سعدي دزةيي بأن “فلانا قدم طلبا للحصول على الفيزا وحصلت الموافقة عليه فأبلغوه ليذهب غدا للسفارة أو يرسل لنا جوازه لنختمها له”، وبعد تعرفهما بي دعوناهم الى مائدتنا ثم تحادثنا فقالوا لي “إن التأشيرة جاهزة وإذا سافرت الى واشنطن فهناك من ينتظرونك في الخارجية، فالبيت الأبيض والرئيس لايستطيعان مقابلتك، ولكن شقيق الرئيس روبرت كينيدي وزير العدل سيلتقيك”.

* وهل كان السوفييت يعلمون بهذه العلاقة وهل زرتم الدول الإشتراكية حين كنتم في أوروبا؟
– نعم كنا نحيطهم علما بكل إتصالاتنا، ثم جئت الى برلين الشرقية فإستقبلوني بحرارة إلتقيت بعضو في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الموحد في منزل خاص خارج برلين الشرقية. وأعطونا مساعدة مالية بمبلغ مائة ألف مارك ونتصرف به كما نشاء على شرط أن نصرفه داخل ألمانيا الديمقراطية نشتري به حاجياتنا. وكانت ألمانيا الديمقراطية وجيكوسلوفاكيا قد أبدتا إستعدادهما لتلبية كل مطالبنا من الأسلحة وقالوا “أية كمية تريدون نحن على إستعداد لتوفيرها لكم بشرط أن تؤمنوا طريقة إيصالها إليكم”.ثم سافرت الى موسكو، وقبل وصولي إليها كان مندوبا راديو وتلفزيون موسكو قد إلتقوني بباريس، وحين وصلت هناك إلتقيت بعدد من المسؤولين، ومن هناك تيقنت بأن الطلب المنغولي في الأمم المتحدة سيفشل بعد أن أبلغوني بأنه ليست هناك دولة واحدة تؤيد المقترح المنغولي في الأمم المتحدة لإدانة العراق.

* هل صحيح بأنك إلتقيت في باريس عام 1963 بشمعون بيريز، وأن وفدا من البارتي بعضوية إبراهيم أحمد و عمر دبابة و شمس الدين المفتي زار إسرائيل؟
– الخبران لا أساس لهما من الصحة، فالمسألة كانت كالتالي: كان السوفييت قد حددوا في كل بلد أزوره شخصا منهم يرشدني و ينصحني فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وحين كنت في باريس وأرأس الوفد الكردي، إلتقيت بشخص روسي لهذا الغرض. وذات يوم جاء الأمير كاميران بدرخان وقال لي “الملك الحسين و وكيل وزير الدفاع البريطاني يريدان لقاءك”، قلت “حسنا”. ثم إتصلت بالروس فلم يمانعوا لقاءهما، وبعد فترة جاء كاميران مرة أخرى وقال “أنا كنت مخطئا، فالشخص الذي يريد لقاءك هو وزير الدفاع الإسرائيلي وليس البريطاني”! وتذرعت له قائلا “يجب أن أتحدث بالأمر مع الأخوة في كردستان، ولكني إتصلت بالروس فنصحوني برفض المقابلة! فأبلغت كاميران “بأن الإخوة في كردستان لا يوافقون على اللقاء”.

* وماذا عن سفر الأستاذ ابراهيم أحمد الى إسرائيل؟
– لا أساس لذلك أيضا من الصحة، فلا الأستاذ ابراهيم ولا عمر دبابة ذهبا الى إسرائيل، كل ما في الأمر أن شمس الدين المفتي هو من ذهب الى إسرائيل برفقة الملا مصطفى و الدكتور محمود عثمان، وفي ذلك الوقت كنا في صراع مع الملا مصطفى.

* وماذا حصل في سفرك الى أمريكا؟
– لم أسافر إليها، لأن لا أحد من الدول أيدت المقترح المنغولي ولذلك لم أجد حاجة للسفر، وهناك سبب آخر حال دون ذلك، حيث تلقيت إستدعاء من كردستان بضرورة العودة لأن الأوضاع متأزمة جدا، فالموقع الذي كنت مسؤولا عنه تعرض الى الهجوم و قالوا سيكون من الأفضل أن تعود. والآن علي أن أقول بأنني نادم لعدم سفري الى أمريكا حينذاك، فلو ذهبت لكان ذلك بالتأكيد سيخدم القضية الكردية وكان بالإمكان أن نطرح القضية الكردية على المسرح الدولي و الأمريكي معا.

*وماذا كان دور الكرد بالخارج في تعريف القضية الكردية بالعالم الخارجي؟
– أحد أسباب إنتشار أصداء القضية الكردية في أوروبا كان النشاط الطلابي الكردي هناك، فجمعية الطلبة الكرد قامت بفعاليات مهمة من تظاهرات و إجتماعات وبناء العلاقات مع وسائل الإعلام و حققت القضية الكردية في تلك السنوات طفرة نوعية و تقدما ملحوظا على عدة أصعدة، و يتحدث دانا آدم شميدت في كتابه عن دورنا المؤثر في تلك الفترة ويوليها أهمية بالغة ويقول “هذه هي المرة الأولى التي ينقل فيها الشعب الكردي قضيته الى المسرح الدولي، فهناك إهتمام إعلامي كبير و طرح دبلوماسي للقضية على المحافل الدولية، ولذلك فإن الرأي العام الأوروبي والأمريكي يقبلان بهذا الطرح، والنجاح الكردي يعود الى أسلوب طرحهم للقضية، ففي الأوساط العربية يطرحونها بشكل محدد، وفي الدول الإشتراكية بشكل آخر، وهكذا بالنسبة للغرب والعالم الديمقراطي. لذلك فالطروحات مقبولة عموما من جميع الأطراف وهذا سر النجاح”.

*وهل تأثرت الأوضاع بالتغيير الذي حصل في تشرين الثاني حين أزاح عبدالسلام عارف البعثيين من الحكم، وهل سنحت فرصة جديدة لإستئناف المفاوضات؟
– نعم حدث ذلك، فحكومة البعث بدأت حملاتها ضد كردستان في أيام 8،9،10 حزيران 1963 وإستمرت حتى تشرين ذلك العام، وهاجمت قواتها بوحشية بالغة على كردستان، وكانت المرة الأولى في تاريخ العراق يكشف فيها حزب البعث عن سياسته للإبادة الجماعية وترحيل الكرد من ديارهم، وكانت المرة الأولى التي يدمر فيها هذا الحزب القرى الكردية النفطية المحيطة بكركوك تحت غطاء إبعاد الخطر عن المنشآت النفطية. وتعد عام 1963 بداية فعلية لحرب عنصرية لتدمير كردستان وإنتهاج سياسة الترحيل والتطهير العرقي، وكل ذلك حصل من قبل حزب البعث. وأعتقد بأن ماحصل كان نتاج الفكر الذي بشر به ميشيل عفلق، ففي مادة من النظام الداخلي لحزب البعث وردت إشارة تقول “في حال عدم قبول الأقليات القومية بالإنصهار في البوتقة العربية و بأن يتحولوا الى عرب ويعيشوا ضمن الأمة العربية، عندها تجب إبادتهم أو طردهم من البلاد بإعتبار أن الأرض هي عربية”. هذا الطرح الشوفيني كان بالأساس طرحا خاطئا وعنصريا.لأن أرض كردستان العراق لم تكن يوما أرضا عربية. وكرد العراق ليسوا عربا فهم جزء من الأمة الكردية كما أن العرب العراقيين هم جزء من الأمة العربية، وأرض كردستان هي جزء من أرض كردستان الكبرى وهي ملك للأمة الكردية كما أن عربستان العراقية هي ملك للأمة العربية. وقد نفذت تلك السياسة العنصرية لأول مرة عام 1963 حين تسلم البعث السلطة بالعراق وشجعت العشائر العربية لنهب وسلب كردستان. ولكن رغم كل هذه المحاولات لم يستطع البعث أن يحقق أي إنتصار رغم الضجة الكبيرة التي إفتعلها، لأن معظم المناطق الأساسية و المحررة بقيت تحت سيطرة الثورة الكردية.

* في تقييمك لقدرة القوات الكردية، كيف ترى دور البيشمركة في ذلك الوقت؟
– لقد كانت لقوات البيشمركة دور مهم وبارز فقد إستبسلت في المواجهة، رغم أن بعض قادتها من الذين عينهم وفرضهم الملا مصطفى كانوا جبناء ومتخاذلين وغير أكفاء. وسأضرب لك مثالا واحدا عن عزيز عقراوي الذي كان ضابطا برتبة مقدم ركن، كان يتفاخر ويتباهى بشجاعته ولذلك عين قائدا لمعارك محور أربيل، ولكنه إنهزم بمعركة سري رش والتي كانت منطقة عصية وفيها عدد كبير من قوات البيشمركة وخاصة على قمة جبل سفين الذي يعد أحد الجبال الوعرة بالمنطقة ومن الصعب إحتلاله، وكان يفترض أن تدوم المعارك هناك لعشرات أيام، ولكن عقراوي إنهزم وفر من أمام القوات العراقية المتقدمة التي إستطاعت أن تلتف على قوات البيشمركة من الخلف وتتقدم نحو منطقة سبيلك ثم كلي علي بيك وهامت قوات عقراوي على وجوهها فإستطاعت قوات الحكومة أن تحتل كلي علي بيك وحاج عمران على الحدود مع إيران دون أي قتال. وللتذكير فقط فإن كلي علي بيك منطقة وعرة ويستطيع الإنسان أن يصمد فيها ويقاتل لعدة أشهر، ولكن رجلا متخاذلا مثل عزيز عقراوي لم يستطع الصمود فيها لأيام، ولذلك نال لقب “جنرال الهزيمة “في أوساط الناس. أما المناطق التي قادها الحزبيون فقد شهدت معارك بطولية لم تستطع الحكومة أن تتقدم فيها وتحتلها. ففي الخريف تم إحتلال جمي ريزان بعد معارك عنيفة وسقوط خسائر كبيرة بصفوف القوات الحكومية، والسبب أن الطريق المؤدي إليها منطقة سهلية تستطيع الدبابات أن تتقدم فيها بسهولة، ومع ذلك عجزت قوات الحكومة تماما عن إحتلال مناطق مهمة أخرى كانت تحت قيادة المكتب السياسي مثل قرداغ وبمو وشهربازير وماوت، لكنها إستطاعت أن تحتل بسهولة منطقة بارزان ومن دون قتال.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة