ما الذي تنتجونه..؟

يقول آدم سميث: (ان ثراء الامة متعلق بكفاءة شعبها في انتاجية العمل، لا بما يحوزه الملك من سبائك الذهب…) مقولة نجد تجلياتها الساطعة بكل ما يحيط بنا من زحزحات وتحولات مادية وقيمية هائلة القت بظلالها على المجتمعات التي اكرمت نفسها بالانغمار الواسع والعميق بورش انتاج الخيرات المادية والروحية. وعكس ذلك (الاغتراب عن كل ما له صلة بانتاجية العمل) كما هو الامر في مضاربنا المسكونة بالحنين للماضي وغزواته الظافرة ورسائله الخالدة؛ نجدها تتخبط في غياهب غيبوبة لا قعر لها، مع بدء العد التنازلي لنضوب كميات النفط، وتقلص اهميته مع التقدم الكبير في مشاريع انتاج الطاقة البديلة. قطاعات واسعة من سكان هذا الوطن القديم، عاجزة عن ادراك حجم وطبيعة الكارثة المحدقة، لاسباب شتى على رأسها سلطة الوعي الخرافي والزائف على عقولهم ومشيئتهم؛ فهم يرددون دائما عبارة كونهم أثرياء بما وهبته لهم الصدفة الجيولوجية من (الذهب الاسود والغازات المحيطة به) وهذا يغنيهم عن مشقة الكدح والتعب والذل..! عقائد وقناعات تقف بالمرصاد لأية محاولة جدية للخروج من محنتنا وعلاقتنا الملتبسة بمصدر ثراء الامم الاساس (انتاجية العمل). لا يمكن فك طلاسم ما يجري لدينا من خيبات وعجز وانسداد في الآفاق، من دون الالتفات الى ما طرحناه من سؤال وعنوان لعمودنا الحالي (ما الذي تنتجونه..؟) حيث الجواب وبلا فخر؛ لا شيء يستحق الذكر، لا بل وصل بنا الحال الى استيراد زادنا اليومي من الخضروات والالبان ومشتقاتها وما كنا نشتهر به بين الامم، أي التمور..! شعوب لا تنتج لا ينتظر منها غير ما شاهدناه من احداث وهموم واهتمامات، هجرتها قبائل كانت حتى الامس القريب تسكن الادغال والغابات. لقد قدمت الطبقة السياسية الحالية أسوأ الامثلة حول التعاطي مع ملف الثروة (كسبها وتراكمها وتوزيعها) لذلك ذهبت وستذهب كل الدعوات للتغيير والاصلاح والبناء ادراج الرياح، لعدم وجود اية امكانية ودوافع وحاجات فعلية لها على أرض الواقع. وما فساد السنام الاعلى لهرم الدولة والمجتمع الا انعكاس دقيق، لمنظومة متكاملة من الفساد تستمد حيويتها وديمومتها من هذا الجدب الواسع والعميق في انتاج الخيرات المادية والقيمية، وحيث اكتساب الثروة يمر عبر بوابة اللصوصية وسنامها الاعلى (الفرهدة) والمحصنة بحشود هائلة من الاعمال والوظائف الكاذبة، والتي لم يعرف العراق والبلدان المجاورة وما بعدها مثيلاً لها، حيث تجاوز عدد موظفي الحكومة حاجز الاربعة ملايين شخص (يشفطون ثلاثة ارباع الموازنة). والمفارقة ان كل هذه الاعداد من عيال الرزق الريعي الحكومي، وعدد العاطلين عن العمل بازدياد متصاعد مع انتهاء كل موسم دراسي، حيث ترفد الجامعات العراقية المتكاثرة باشكالها المختلفة (الحكومي والاهلي) جيوش العاطلين عن العمل بآلاف جديدة من الخريجين الجدد، من الذين تقذفهم الجامعات الى بازار عمل خرج عن سياقاته ومعاييره المعروفة بعد سيل من المغامرات والحروب والقادسيات وما رافقها من فواتير وديون وعواقب وآثار وخيمة، وضعت بصمتها الى تفصيلات حياة الناس الفردية والجمعية. ان التحدي الاساس الذي يواجهنا جميعاً من دون تمييز على اساس الرطانة والخرقة والهلوسات؛ هو اعادة الروح لمنهل وسر الانتصارات العظمى لسلالات بني آدم في شتى مجالات الحياة، الا وهي ورش العمل والانتاج الكفيلة باستيعاب وتفعيل وتوجيه مواهب الاجيال الجديدة وحماستهم صوب كل ما هو نافع لهم ولاوطانهم وتطلعاتهم المشروعة في العيش الحر والكريم…
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة