أوصياء بلا حدود

أعادت حادثة اختطاف الأمين العام لمؤسسة (مؤمنون بلا حدود) الدكتور يونس قنديل، وما تعرّض له من تعذيب وكسر لأصابعه وحرق للسانه وما تركته مشارطهم الحادة من عبارات على ظهره مثل “الإسلام هو الحل” و”إسلام بلا حدود” في العاصمة الأردنية عمّان مؤخراً؛ الى ضرورة الالتفات لما يحصل في هذا البلد من تطورات لا تحمد عقباها لا على الأردن وحسب بل المنطقة والعالم كله، لما يشكله الأردن من حلقة وصل بين فلسطين والعالمين العربي والإسلامي. كما ان ذلك الاعتداء الآثم والجبان على شخصية علمية مسالمة، والذي جاء مباشرة بعد حملة تحريض منظمة من قبل الجماعة التي اندلقت من رحمها كل جماعات القتل والإرهاب والتكفير (الإخوان المسلمون) وبالتوافق مع السلطات الرسمية (وزارة الداخلية) والتي استجابت لتلك الحملة الظالمة بمنع مؤتمر كانت مؤسسة (مؤمنون بلا حدود) تزمع عقده في العاصمة الاردنية عمان تحت عنوان ” انسدادات المجتمعات الإسلامية والسرديات الإسلامية الجديدة”؛ يذكرنا أيضاً بحادثة مماثلة وقعت في العام 2016 أمام قصر العدل الاردني، عندما تم اغتيال الكاتب والصحفي ناهض حتر، إذ برز فيها ذلك التواطؤ بين الوصايتين الرسمية وتلك المتحكمة بالغرائز المتدنية للحشود، تحت الذريعة الأزلية في الدفاع عن الرسالة الخالدة وسلطة المخلوقات والسلالات المقدسة. مثل هذا التواطؤ بين هذين المعسكرين ليس جديدا، كما أنه ليس امتيازا للنظام السياسي السائد في المملكة الأردنية الهاشمية، وقد سبقتهم (أم الدنيا) مصر الى ذلك ولفترة طويلة، وقد اختزلت عبارة محمد حسنين هيكل عشية حادثة المنصة عندما تم فيها اغتيال الرئيس المصري السادات بيد خالد الإسلامبولي وجماعته عاقبة مثل ذلك التواطؤ عندما قال: (مات الرئيس المؤمن بالرصاص الأشد إيماناً) فاضحاً بذلك المنحى الذي تقمصه السادات في الاستثمار بحانوت الدين والتقوى عبر اتخاذه للقب “الرئيس المؤمن” كي يسخّر الجماعات والمؤسسات الإسلاموية لبسط وترسيخ سلطته، ممهداً بذلك الطريق لتلك النهاية التراجيدية. ان حادثة الاعتداء على الدكتور يونس قنديل وما سبقها ورافقها من حملات تحريضية وتواطؤ من قبل السلطات الرسمية في الاردن، تؤكد صحة التقارير التي أشارت الى خطورة الوضع في ذلك البلد، ونوع الاصطفافات والمناخات السائدة فيه، وهي لم تجافي الحقيقة عندما وضعته على رأس البلدان التي تمتلك فيه الجماعات الإرهابية والتكفيرية نفوذاً وسطوة وطيفا واسعا من الخلايا المستيقظة والنائمة والبين بين، بعد الهزائم العسكرية الساحقة التي لحقت برأس رمحها عصابات (داعش) في العراق والشام. لقد برهنت الاحداث الكارثية التي تعرضت لها المنطقة منذ نهاية السبعينيات الى يومنا هذا؛ على نوع وحجم الأدوار التخريبية والمدمرة التي مارستها قوى الوصاية بأشكالها الرسمية والشعبية، وعلى حرصها الشديد في بقاء قطاعات واسعة من المجتمع فيما هي عليه من جهل وتخلف وبؤس وانحطاط، كي تبقى عاجزة عن فهم لا ما يحيط بها من مخاطر وتحديات وحسب بل في العجز عن فهم دينها بعيدا عن الكبسولات الآيديولوجية البائسة التي قذفتها لهم جماعات الاسلام السياسي مثل (الاسلام هو الحل) على سبيل المثال لا الحصر. لذلك لم يطيقوا كل من تجرأ على الخروج من اصطبلاتهم العقائدية البائسة كالدكتور قنديل والذي يقول: (ان ضمان انفتاح الجميع على المعرفة والتفكير والتعبير، كفيل بوضع المؤطر التداولي الأكثر أهمية والأكثر ضماناً للحريات والتعدد، في سياقه المجتمعي المفتوح، وليس السياق الجماعاتي المؤدلج. وان نقد المسلمين لذواتهم ولمفرزات التعاطي الآيديولوجي مع دينهم واجب حضاري) وهذا ما لا يتفق مع ما تتمترس به سرديات (أوصياء بلا حدود) من ممارسات وانسدادات وسلوك.
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة