جوهان روكستروم، وجورجن راندرز، وبير إسبين ستوكنز
منذ ما يقارب 50 سنة، حذر تقرير «أوقفوا عجلة النمو» لنادي روما من أن العالم قد يواجه انهيارا اقتصاديا وتدهورا بيئيا في القرن الحادي والعشرين، إذا استمر النمو الاقتصادي في التسارع من دون مراعاة البيئة. وهذا ما حدث بنحو أساسي.
وكما تظهر دراسة جديدة أنجزها نادي روما، وكما كَرَّر التقرير الأخير للجنة الحكومية الدولية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، قد يكون العالم في طريقه نحو الكارثة.
وأخطأ الكثيرون في تفسير تقرير «أوقفوا عجلة النمو» عندما وصفوه بهجوم ضد التوسع الاقتصادي مطلق العنان. وبحقيقة الأمر، يقول التقرير أنه إذا تم اختيار سياسة الاقتصاد غير المحدود، فإن ذلك سيقتضي وضع سياسات تكميلية أخرى (بما في ذلك التمويل)، للمحافظة على أنظمة حفظ الحياة المحدودة.
لكن العالم تجاهل ما ذكره التقرير. وبالمقابل، استمر في مساعيه نحو تحقيق نمو مطلق العنان، من دون مراعاة تبعاته البيئية. لقد مكننا هذا النمو من تحقيق تقدم كبير في مجال الحد من الفقر، والرفع من أمد الحياة ومن مستوى الرفاهية. لكن ذلك كان على حساب نسيج المجتمع، ومرونة الكوكب.
وبنحو حاسم، قال العلماء في العقد الأخير، أننا دخلنا حقبة جيولوجية جديدة، أسموها الأنثروبوسين، وهي حقبة يسيطر فيها النشاط البشري خاصة النشاط الاقتصادي، مؤثرا على مناخ الأرض وبيئته. وفي حقبة الأثروبوسين، تتغير أنظمة حفظ الحياة في كوكبنا الأرض بوتيرة تعد الأسرع على الإطلاق.
ويشكل تغير المناخ اليوم خطرا واضحا وقائما. وإذا ارتفعت درجة حرارة كوكبنا بمعدل درجتين مقارنة مع درجات الحرارة خلال فترة ما قبل الصناعة، قد نجد أنفسنا في طريق لا رجعة فيه نحو» كوكب حار»- وهو سيناريو تصل فيه درجات الحرارة إلى معدلات تفوق تلك التي نشهدها اليوم، ويصل فيه معدل ارتفاع مستوى البحر إلى نسب كبيرة، وتصبح فيه الكوارث الطبيعية المتطرفة أكثر انتشارا، وأكثر دمارا من أي وقت مضى.
وليس هذا فقط. إذ بمناسبة عيد ميلاده ال50ـ، جدد نادي روما الانموذج الإلكتروني لـ»عالم3» المندرج ضمن تقرير «أوقفوا عجلة النمو». ويظهر ما يطلق عليه انموذج»عالم3» توقعات جديدة بشأن تأثير النشاط البشري التي ستظهر في المستقبل.
وقد اعتمدنا بدراستنا على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي اتفق عليها قادة العالم في عام 2015. وتشمل أهداف التنمية المستدامة الـ17، أهدافا اجتماعية سيما القضاء على الفقر وتحسين مستوى الصحة، إضافة إلى أهداف بيئية ذات أهمية كبيرة، ووضع حد لظاهرة الانقراض، وحماية محيطاتنا، والتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة. ولتحديد إذا ما كان العالم قادرا على تحقيق هذه الاهداف مع حلول عام 2030، وضعنا في عين الاعتبار أربعة سيناريوهات، تبدأ من سيناريو التجارة كما العادة، وتنتهي بالتحول الاقتصادي الكامل.
وتظهر دراستنا، أن سيناريو التجارة كما العادة، لن يجلب مكاسب مهمة في المساعي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة أو دعم الاستدامة البيئية مع حلول عام 2030. ومن غير المفاجئ ربما، أن يشكل نمو الاقتصاد بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، خطرا على الاستدامة البيئية.
وهناك سيناريو ثالث، يشمل سياسات قوية تهدف إلى حماية البيئة، قد تعرض استقرار الكوكب للخطر. وفي أي من هاته السيناريوهات، ستتحسن رفاهية الناس على المدى القصير، لكنها ستتراجع على المدى البعيد، طالما نتخطى الحدود الكوكبية، ونتعدى المراحل الخطيرة.
هناك سيناريو واحد فقط يمكنه أن يحسن من مستوى رفاهية الإنسان بطريقة تؤدي إلى استدامة البيئة: إنها سياسة «التغيير التحويلي»، الناتجة عن تحول نحو السياسات والإجراءات غير التقليدية. وفي دراستنا، ذكرنا خمسة مجالات يعد فيها مثل هذا التغيير مهما بنحو خاص.
• وفقا للجنة الدولية الحكومية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، يحتاج العالم إلى نمو مطرد في مجال الطاقة المتجددة، ليتمكن من تقليص معدل الانبعاثات إلى النصف كل عشر سنوات ابتداء من عام 2020.
• يجب تعزيز إنتاج الغذاء المستدام بشكل قوي. إذ سيقتضي إطعام ما يقارب عشرة مليار شخص مع حلول عام 2050، تعديلا جذريا لأنظمة التغذية القائمة، مع الرفع من مستوى تكثيف الاستدامة بنسبة 1% كل عام.
• تحتاج الدول النامية إلى نماذج تنمية جديدة، بما في ذلك انموذج الصين وكوستاريكا وإثيوبيا وكوريا الجنوبية، مع التركيز القوي على الاستدامة.
• يجب على العالم أن يحد من اللا مساواة بقوة، لضمان ألا يتعدى دخل الطبقة الغنية التي تصل نسبتها إلى 10% 40% من مجموع الدخل.
• وأخيرا، يجب تحقيق الاستقرار للساكنة العالمية عن طريق وضع استثمارات ضخمة في مجال التعليم العالمي، والمساواة بين الجنسين، والرعاية الصحية وتنظيم الأسرة.
نحن لا نقول إننا قدمنا اللائحة النهائية للإصلاحات التحويلية التي يحتاجها العالم. إن رسالتنا الرئيسة، هي أن الوسيلة الوحيدة للموازنة بين النمو والاستدامة، هو التحول البنيوي والاجتماعي على نطاق عالمي.
والخبر السار، أننا نؤمن أن السيناريو التحويلي الذي تحدثنا عنه ممكن تحقيقه. إذ هناك علامات تشير إلى أن قوى السوق يمكنها تشجيع اندلاع ثورة طاقية- وهي ثورة ممكنة على المستوى التقني وجذابة على المستوى الاقتصادي. والوسائل التكنولوجية التي تدعم الزراعة متاحة بالفعل مع ما يقارب 29% من المزارع التي تستعمل بالفعل بعض تقنيات الزراعة المستدامة. وعلى المستوى العالمي، فقد وصل معدل «ولادات الأطفال» إلى أعلى مستوياته، كما أنه توقف عن النمو.
لكن العقبات السياسية الكبيرة التي تقف في طريق الطاقة المتجددة، وحتى في طريق الجهود المبذولة للحد من اللا مساواة، ما زالت قائمة. وما يجعل الأمور أسوأ، تنامي الردود العنيفة ضد تعدد الأطراف منذ الثلاث سنوات التي تلت اتفاق قادة العالم على أهداف التنمية المستدامة. وتحديدا، في وقت بات فيه العالم في أمس الحاجة إلى التعاون العالمي، أصبحت العديد من الدول تتبنى القومية والعزلة والحمائية التجارية.
ويقول معظم المحللين المنطقيين أن إبقاء الكوكب معافى بنحو كاف من أجل دعم اقتصاد مزدهر على المدى البعيد، استثمار جيد. لكن وكما نرى اليوم، مثل هذا التفكير البعيد المدى ليس دائما ملائما للنجاح السياسي. ومن أجل الحفاظ على كوكبنا، وعلى حضارتنا-تبقى أصوات مثل أصوات نادي روما أهم من أي وقت مضى.
ترجمة نعيمة أبروش
يشغل جوهان روكستروم منصب أستاذ ومدير أسبق لدى مركز ستوكهولم للمرونة في جامعة ستوكهولم. ويشغل جورجن راندرز منصب أستاذ متقاعد في معهد بي آي النرويجي للتجارة. ويشغل بور إسبين ستوكنز منصب أستاذ مشارك في معهد بي آي النرويجي للتجارة.
بروجيكت