المهرولون لحقيبة الثقافة

موقف الطبقة السياسية الحالية من الثقافة وحقيبتها الوزارية، لا يحتاج الى الاستعانة لخبرات دولية محايدة كي نكتشف نوع وطبيعة العلاقة التي تربطهم وإياها، فهم جميعاً ومن شتى الرطانات واليافطات والعناوين يشتركون في مواقف الشك والحذر والريبة منها، فهي مصدر وجع وقلق دائم لهم، لذلك تناوب عليها عدد من الوزراء يقبع في قعر أولوياتهم هم الثقافة والعقل النقدي والفضول المعرفي وصناعة الجمال والخلق والإبداع والابتكار. قد يعترض البعض على ذلك، لوجود من له علاقة بالهم المعرفي والثقافي بينهم، حيث تسلل أحدهم وفي غفلة من الزمن اليها ولمدة محدودة، وقد كان مروراً عابراً وعاجزاً عن تحريك مشهدها الراكد، لذلك لم يحصل في جميع حقولها أي حراك جدي لانتشالها مما انحدرت اليه طوال أربعة عقود من حكم تخصص في اجتثاث كل ما له علاقة بالحرية والجمال والتعددية والثراء الثقافي والإبداع. التشكيلة الحكومية الجديدة لم تشذ عن تلك الثوابت الجليلة، ووفقا لقيمتها في بازار الكتل والحصص فقد منحت لمن استقرت عليه في نهاية ذلك المزاد. طبعاً هو حال مزري ومشين، لكنه والحق يقال يستجيب لما انحدرنا اليه كجماعات وأفراد ونخب مفتونة باستعراض مواهبها وبضائعها الثقافية النافقة. ان احتقار وإذلال هذه الحقيبة (الثقافة) من قبل هذه الكتل السياسية، هو أمر يمكن تفهمه، لكن هرولة البعض من المنتسبين لنادي الثقافة (الانتلجينسيا) للترشح بأي شكل كان ولو من خلال الكتل نفسها، هو أمر يعزز بؤس وإذلال هذا الهم القيمي والجمالي الراقي.
الواقع المتردي لهذا الحقل الحيوي (الثقافة) في حياة المجتمعات والدول، لا يمكن فصله عن طبيعة الأدوار التي لعبتها شريحة “المثقفين”، ففساد وركود هذا الحقل يرتبط بشكل وثيق بحجم الفساد الذي تسلل لمفاصل هذه الشريحة وممثليها وواجهاتها الأكثر صخباً وضجيجاً زمن النظام المباد وبعد زواله، ولكم في حطام نقاباتهم المهنية مثالاً لا يتناطح عليه كبشان، فيما انحدرت اليه شرائح اغتربت عن وظائفها الحيوية والحضارية منذ زمن بعيد. ان وهم استرداد الثقافة لحيويتها وعافيتها عبر وضع حقيبتها الوزارية بيد أحد المهرولين وراءها من الوسط “الثقافي”؛ لا يقل ضرراً عما واجهته تحت وصاية وكلاء الكتل المباشرة، ومن يجد نفسه منهم قادراً على انتشالها مما انحدرت اليه، فهو أحد اثنين لا ثالث لهما؛ أما حالته العقلية والمعرفية مشكوك بأمرها، او هو من القافلة التي تعرف من أين تؤكل الكتف، وما العناوين الثقافية التي يتستر بها إلا وسيلة مجربة لتصدر المواقع الأمامية في الوليمة. كل من تعلم شيئاً من بديهيات النشاط الثقافي وتاريخ التحولات المعرفية والقيمية والثقافية للمجتمعات والدول، يعرف ان مثل هذه الانعطافات في هذا الحقل الحيوي (الثقافة) تستلزم حزمة من المتطلبات في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذا ما لم يحصل حتى خريفنا هذا، والذي أعادت فيه أفشل وأفسد طبقة سياسية إنتاج نفسها وسنام السلطات في هذا البلد المبتلى. طبقة سياسية لا ينتظر منها ان تعمل بالضد من طبيعتها ومآربها، لتقدم حقيبة الثقافة لمن تتوسم فيه إحداث تحولات نوعية وتقدمية وحضارية في هذا الحقل الحيوي، وهي أدهى وأمكر وأدرى بما يحصل في هذا المجال، لا سيما وانها جندت الكثير من العاملين في مجال الثقافة والفكر والإعلام الى ما ورثته من حطام وفلول النظام المباد المتخصصين في تقنية نقل عدتهم من كتف الى كتف آخر وفقاً لايقاع كيس المال والمواقع والامتيازات..!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة