حروف قاسم سبتي المخبوءة
سمير خليل
ثلاثون لوحة هي حصيلة المعرض الشخصي للفنان التشكيلي قاسم سبتي ضمتها قاعة حوار ببغداد وجاء المعرض بعنوان (حروف مخبوءة). موضوع المعرض جاء وثيقة او صرخة ضد كل ما يشوه ارث العراق، وثقافة العراق، المعرض استمد عنفوانه من توظيف اللون والحرف ضد الخراب الذي حل بنا وانتصر للوعي، وللأدب، وللكتاب الذي احرق وديس بالأقدام.
استعمل سبتي وبذكاء وحرفية عالية الالوان الداكنة التي مثلت التراب، وطرزها بأوراق واشارات ورموز موزعة بإحكام على اديم اللوحة، حروف مستترة، لكنها تحاول الانفجار لتفصح عن مكنوناتها المخبوءة. الفنان قاسم سبتي يتحدث عن معرضه فيقول: عام 2003 كنت شاهدا على حرق المكتبة الخاصة بأكاديمية الفنون الجميلة، كان منظرا مأساويا، الكتب المحروقة التي ديست بأقدام اللصوص. قررت ان استنبط من هذا الخراب اعمالا تحاكي هذه المأساة، وهكذا كان الكتاب وغلافه عنوان المعارض التي اقمتها بعد العام 2003 واعتمدت فيها اغلفة كتب حقيقية في بغداد، وباريس، ونيويورك، وطوكيو، وكيوتو، وهيروشيما، ثم بيروت وعمان “.
ويضيف: تجربتي تنتمي لما بعد المعاصرة. تجربة ليست سهلة قد تؤدي بمن يسلكها الى طرق مظلمة إذا لم يكن ملما بخبرات فنية. الالوان الباهتة هي ألوان الكتب، مكبوتة وليست فاقعة. معرضي صرخة مكبوتة جاءت من حجم الكارثة التي حلت على الكتاب العراقي، وعليه لابد من خطاب فني جديد يجسد كل ما نمر به.
ويتابع: اريد ان اقول ان الفن العراقي بخير وان ما جرى بالعراق سبق “تفجيره” بالمسرح، والموسيقى، وبالتشكيل، لماذا نبكي على الاطلال ونقول للآخر تبا لك لأنك لم تقدر على ذلك. ليس هناك فن ما قبل الاحتلال وما بعد الاحتلال، يجب ان يكون هناك فن عراقي واحد”.
الفنان التشكيلي الرائد سعد الطائي قال عن المعرض: قاسم سبتي من الفنانين الذين تميزوا بأدائهم الهادئ غير المتسرع. هذا المعرض امتداد لمعارضه السابقة، ولكن بحيوية أكثر، وبموضوع متكامل، وبأفكار تستفز المشاهد للتمعن بتلك الاعمال، خاصة انه اخذ اللون الترابي متأثرا بالبيئة التي نعيشها، وتناول الافق بشكل خطوط توحي بالصحراء غير المحدودة، الصحراء تعني ان تقول شعرا، وعدم وجود ما يصد النظر، وهذا ما ظهر في أكثر اعماله المعروضة. ابارك للفنان سبتي هذا المعرض، هذه الخطوة الهادئة لأعماله المتميزة.
الناقد التشكيلي فهد الصگر كان له رأي بالتشكيلي قاسم سبتي واللوحات المعروضة: قاسم سبتي استغل الذاكرة المخربة، الذاكرة التي وجدها على أنقاض الحرب، وراح يبحث عما هو مهمل ومهمش والمسكوت عنه، لذا حاول اخراج هذه المهملات ليوظفها كلوحة صارخة تعج بالأسئلة، صارخة بوجه من اراد الخراب لهذه الامكنة التي كان سبتي قريبا منها كمثقف، وقريبا منها كفنان تشكيلي، وايضا لكونه يحمل هوية العراق، لذا جاء معرضه هذا معبرا عن كل ذلك.
وقال الفنان النحات يحيى عبد القهار: الحرف رفيق الانسان من ايام السومريين، لكن الذي حل بالعراق من تدمير للثقافة وتدمير للحرف وتدمير للفكر الانساني تجلى امام الفنان قاسم سبتي، وهو يشاهد منظر الكتب المؤلم، وجد قاسم من هذه المأساة مخرجا جماليا صاغه لإثراء ذهن المتلقي، واعادة الروح الجميلة للكتاب في العراق، اضاف لأغلفة الكتب لمسات تشكيلية، اضاف مساحات اخرى للأغلفة، واخرجها بصيغة تمتع الناظر او المتلقي، جمالية واضحة في اللوحات التي ضمها المعرض اليوم.
آخر المتحدثين كان السيد علي الدليمي مدير المتحف الوطني للفن الحديث في وزارة الثقافة والسياحة الذي قال: معرض جميل يكشف مكنونات الحروف ومعانيها المخبوءة، حروف تنبض بمعان متوهجة صاغها خيال الفنان سبتي، كل حرف له لغة ومعنى يفهمه الفنان على وفق خياله وذائقته الفنية، اما المتلقي الاعتيادي فهو يفهم هذه المعاني ويتذوقها على وفق امكاناته الثقافية والذهنية، اسلوب الفنان قاسم سبتي، اسلوب متفرد سبق ان اهتم به الفنان شاكر حسن آل سعيد “.
صرخة مكبوتة بوجه الكارثة التي حلت على الكتاب العراقي
التعليقات مغلقة