المرأة والثقافة في الحكومة الجديدة

بعد ماراثون غير مسبوق لم تعرفه الأمم التي أكرمتها الأقدار بلعبة (الصناديق) من قبل؛ تمت المصادقة من قبل البرلمان العراقي على 14 وزيرا من أصل 22 من التشكيلة التي قدمها رئيس الوزراء المكلف السيد عادل بعد المهدي، وهنا لست بصدد التطرق الى مصير ما يسمى بالمقاعد السيادية التي دائما ما تشغل بال المتناهشين على الوليمة الأزلية والمتابعين للمشهد العام، بل سأتناول موضوع التشكيلة من الحقائب والمواقع المستضعفة في مثل هذه الماراثونات لعراق ما بعد “التغيير” أي موقع ودور المرأة في التشكيلة الجديدة وموقع ومكانة الثقافة فيها، ومن خلالهما يمكن سبر أغوار التشكيلة الجديدة ومدى جديتها في تحويل منهاجها الطموح جداً الى واقع. يفترض بالحكومة المقبلة انها وجدت كي تنتشل مشحوفنا المشترك من براثن شبكات الفساد والإجرام، وتنطلق به الى حيث الأمن والاستقرار والإعمار الازدهار، ومثل هذه المشاريع الطموحة لا يمكن أن تنطلق من دون تفعيل دور المستضعفين في التشكيلات الحكومية منذ لحظة تلقف أطفال بغداد لرأس الصنم ربيع العام 2003 الى خريف العام 2018، وهذا ما لم تلتفت اليه تشكيلة السيد عبدالمهدي الموعودة، حيث تم اختيار سيدة كل مواهبها وخبراتها تنحصر بكونها شقيقة لأحد المقربين من محظوظي حقبة الفتح الديمقراطي المبين، وهذا دليل لا يتناطح عليه كبشان على نوع الاهتمام والتقدير الذي تحظى به المرأة لدى هذه الطبقة السياسية التي أعادت تدويرها صناديقنا المبجلة. أما حقيبة الثقافة فلم يختلف مصيرها عما حصل لها في الدورات البرلمانية والتشكيلات الحكومية السابقة، حيث هي حقيبة من لا حقيبة له. كنا نتخيل لها مع من عاش في فرنسا وتخرج من السوربون مصيرا آخرا لكن لثوابتنا الجليلة القول الفصل، فلم يتذكر السيد عبد المهدي موقف ديغول المعروف عندما قدم تشكيلته الحكومية من دون وزير للثقافة، قائلاً: إنه لا يتجرأ على موقع هو من اختصاص عقل فرنسا ووجدانها (المثقفون). لكن في مضاربنا المنكوبة باسترداد القبائل والعشائر والسلالات المقدسة والعائلات السياسية لفتنتها وسطوتها، رأي آخر مغاير لما حصل لدى الأمم التي اكرمتها الاقدار بالعقل والعدل والحرية والمساواة. ولن نكشف سرا عندما نقول بأن نوع التعاطي مع هذين الملفين يعكس حقيقة الموقف من سطوة القبائل والعصابات الذكورية والمليشيات والتفسخ الاجتماعي والتشرذم القيمي وبالتالي الجدية في مواجهة التحديات الواقعية لا الخرافية لعصرنا.
لقد تشكلت في اثيوبيا قبل أيام حكومة جديدة من 20 عضوا، شغلت فيها النساء نصف الحقائب الوزارية، وغير ذلك تم اختيار امرأة لمنصب رئيس الجمهورية هي السيدة سهلي ورق زودي. وفي البلد الذي عرف تاريخه الحديث وجود أول وزيرة وقاضية في المنطقة قبل أكثر من نصف قرن، يستنكف ذكور مرحلة العدالة الانتقالية وجود أي عنصر نسائي في إقطاعيات السلطات العليا في البلد (رئيس البرلمان ونائبيه رئيس الجمهورية ونائبيه رئيس الوزراء ونائبيه، أما السلطة القضائية وأعضاء محاكمها العليا فهي حكراً للقوامين على العدل والإنصاف من الذكور).
كثيرا ما يتسائل البعض عن علل كل هذه الإخفاقات والعجز والفشل الذي يرافقنا، من دون ان يكلفوا انفسهم بالالتفات الى نواة وأساس هذا الانسداد في الآفاق؛ ألا وهو الفقر الفكري المدقع الذي يميز هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة والمستندة الى اساس مكين من انحطاط الوعي الشعبي الذي يزودهم بما يحتاجونه من شروط ومناخات لاعادة تشكيل حكوماتهم العتيدة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة