عاد الى “مواقع لا قيمة لها”

أعاد القضاء الاداري العراقي الفياض الى جميع “المواقع التي لا قيمة لها” وهي عبارته التي اطلقها بعد اقالته من قبل العبادي نهاية شهر آب من العام الجاري “ان جميع المواقع التي شغلتها هي دون درجة وزير أو بدرجته ولا قيمة لها…”، علماً ان هذه المواقع هي:
رئيس هيئة الحشد الشعبي و مستشار الأمن الوطني و مدير جهاز الأمن الوطني، هذه هي المواقع التي لا قيمة لها بنظر من قرر القضاء اعادته اليها. هذه العبارة وحدها بمقدورها ان تختزل لنا ما في قاموس وذهنية هذه الطبقة السياسية التي ابتلينا بها من لحظة تلقف شحطات أطفال بغداد لرأس مارشال الاصنام في ساحة الفردوس الى يومنا هذا حيث يتم الترشح لـ “المواقع التي لا قيمة لها” عن طريق البريد الالكتروني..! كل هذا وما زال البعض مشغولاً بعلل عدم تقديم أي من هؤلاء الذين ابتلوا بـ “المواقع التي لا قيمة لها” باعتذارهم عما الحقوه بتلك المواقع الى؛ من يفترض انه مانح السلطات والمسؤوليات والمواقع (الشعب). لا جديد في مثل هذه القرارات القضائية والتي تستجيب سريعاً لمثل هذه الهموم والقضايا المتعلقة بـ “أولاد الست” مقارنة مع كثبان القضايا المتعلقة بـ “أولاد الجارية”، حيث بررت قرارها بما لحق بتلك “المواقع التي لا قيمة لها” من ارباك واضرار، والذي تعده المحكمة وعلى خلاف ما يراه الفياض؛ بانها مواقع حيوية ولها تأثير كبير على أمن وحياة سكان هذا الوطن المنكوب.
لا احد يختلف في كوننا شكليا نعيش ضمن نظام جديد (ديمقراطي) يفصل بين السلطات، وهي مستقلة في عملها عن بعضها البعض الآخر (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وصحيح تماما اننا كعراقيين (حكومة وسكراب مؤسسات وكتل وحشود) قد اهدينا العالم صيغة لا مثيل لها من الديمقراطية، حيث تمددت سلطة القضاء الى مديات لم يحلم بها أحفاد مونتسكيو نفسه، منها على سبيل المثال لا الحصر مهمة اكتشاف وتتويج الكتلة الاكبر. صحيح ان العبادي وفريقه الوزاري يقوم بمهمات حكومة تصريف الاعمال، بعد ان اتفقت الكتل على تكليف عادل عبدالمهدي لتشكيل الحكومة المقبلة؛ لكن العبادي كان قائدا عاما للقوات المسلحة عندما أقال الفياض من “المواقع التي لا قيمة لها” نهاية شهر آب من العام 2018 فان كان ذلك خارج صلاحياته فما الذي يقوم به القائد العام…؟. ما نود ان نهمس به وبحرص شديد في اذن قضاءنا الموقر بجميع هيئاته وقياداته؛ هو ان يتريثوا قليلاً ويمعنوا كثيرا في مخاطر انجرارهم وانخراطهم في نزاعات طبقة سياسية تتمرغل بالفساد والفشل والشراهة وضيق الافق، منذ زمن بعيد. كان أملنا بولادة قضاء نزيه وشجاع ومستقل، بعد ان انتشلتنا الأقدار العابرة للمحيطات من براثن أبشع نظام توليتاري عرفه تاريخ المنطقة الحديث، قضاء يصطف الى جانب التطلعات الحضارية المشروعة لمالك السلطات الاصلي (الشعب) لا ان يتورط اكثر فأكثر بهموم ورغبات كتل وشخصيات الحقت أبلغ الضرر بحاضر ومستقبل البلد. القضاء هو خشبة الخلاص المفترضة في الانظمة الديمقراطية وبنحو خاص فيما يعرف بالمرحلة الانتقالية، حيث القديم وفلوله وتقاليده ومناخاته ما زال مسكوناً بامل استرداده لفردوسه المفقود، والجديد ما زال هشاً وفتيا ويعوزه الكثير من الرعاية والدعم، كي نعيد المكانة والهيبة والقيمة لا لهذه المواقع الحساسة وحسب بل لجميع المهن والمسؤوليات في مضارب ادمنت فيه قبائلها الاعتياش على صدقات وولائم الرزق الريعي..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة