أحمد عبد اللطيف
يعتبر إدواردو مندوثا، صاحب «مدينة المعجزات»، أحد أهم الكُتّاب باللغة الإسبانية الآن، وأكثرهم شهرة عالمية وحصدًا للجوائز وتقديرًا عالميًا. وهذا التقدير الذي ناله مندوثا ربما بدأ منذ روايته الأولى وظل يتصاعد معه من عمل إلى عمل.
ويميل هذا الكاتب الكتالوني إلى التعمق في الواقع حتى يبدو عمله وثيقة سوسيوثقافية، ترصد الراهن وتربطه بالسلوك الإنساني، ربما من هنا كان كاتبًا كتالونيًا بالمعنى الواضح، إذ تحتل كتالونيا مساحة كبيرة من مرجعيته، لكن كتالونيا كجزء من إسبانيا الأم، كمقاطعة تتحول وتخلق ثقافتها في إطار السياسة الإسبانية، غير أنها مع ذلك ذات خصوصية. وربما الغربة، لكونه عاش سنوات طويلة في الولايات المتحدة، كانت سببًا في أن يكتشف هويته من جديد، ويسعى لتسجيلها، وربما اللحظة الزمنية التي تكوّن فيها ككاتب (ولد في عز ديكتاتورية فرانكو ونشر روايته الأولى في فترة غروب الفرانكوية)، والمؤكد أن روايته أعادت الأنظار إلى إسبانيا مجددًا بعد أن سحبت أميركا اللاتينية البساط منها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وهو، بجانب خوان خوسيه مياس وخابيير مارياس، مثلوا معًا لافتة جيل السبعينيات في الرواية الإسبانية.
هنا ترجمة لحوار مع مندوثا أجرته جريدة «لا بانجوارديا» الإسبانية حول روايته الجديدة «الملك يستقبل»:
يعود إدواردو مندوثا (برشلونة، 1943) إلى الأدب برواية شبه سيرية، عنوانها «الملك يستقبل»، هي بداية لثلاثية اختار لها عنوان «ثلاثة قوانين للحركة»، وتغطي الفترة من 1968 وحتى عام 2000. أربعون عامًا من التاريخ يستعرضها مندوثا من خلال شخصية الصحافي روفو باتايا، هو ليس مندوثا لكنه يتشابه معه، أو على الأقل فعلا نفس الأشياء التي فعلها المؤلف، بدايةً من العمل في نيويورك إلى السفر إلى أوروبا الشرقية ليرى كيف تسير الأحوال في ظل الشيوعية الواقعية. إنها مغامرات يرصدها الجزء الأول من الثلاثية، «الملك يستقبل»، والذي ينتهي بموت كاريرو بلانكو. إنه عمل ينصهر فيه ملوك الأوبريتات بملوك القصور الملكية، وفيه يرى البطل السلبي كيف تبدأ تغيرات العالم الذي نعيش فيه الآن.
(*) في أي لحظة ظهرت لك فكرة الثلاثية؟
– ثمة لحظة فكرت فيها: هل سأواصل كتابة روايات حتى يعجز جسدي أم ربما أفعل مثلما قال لي أحد إنه حانت لحظة كتابة المذكرات، أو السيرة الذاتية، أو أي شيء شبيه؟ لقد فكرت في المسألة وأعتقد أني سأفعل ذلك، لكن في شكل رواية، وبشخصية لن تكون حتى الأنا العليا، لكنها تعيش نفس الزمن الذي عشته وتكتب بالزمن المضارع والضمير الأول. بدأت ذلك ثم انتبهت إلى أن كتابًا واحدًا لن يسع كل ما أريد إن رغبت بأن أتأمل في كل لحظة.
(*) وهل تتطلع إلى أن تصل حتى اليوم؟
– أعتقد أني سأتوقف قبله. سنرى. في الكتاب الأول فكرت أن موت فرانكو كان لحظة جيدة لإغلاقه. ربما الجزء الثاني يضم عامين فحسب، أو الفترة الانتقالية. فكرت في الوصول إلى عام 2000، وأن تكون مراجعة للنصف الثاني من القرن العشرين. وأسير بهذه الفكرة.
(*) ولماذا اخترت هذا العنوان للثلاثية؟
– لأنه ثلاثة كتب، ولأن الكتاب يضم قوانين الحركة الثلاثة عند نيوتن. في نفس الوقت لأن الفرانكوية وما بعد الفرانكوية والإرث الفرانكوي لا تزال موجودة. إن أحد الموضوعات التي تهمني والتي أعود إليها باستمرار ما فعله فينا النظام الفرانكوي.
(*) وماذا فعل فينا؟
– لأشرح ذلك أحتاج إلى ثلاثة كتب، لكني أعتقد أن لدينا إرثًا لا يمكن أن نتعامل معه بالترميز، رغم أن الرمز يساهم في فهمه، وأن علينا أن نحلله. وهو إرث ليس الفرانكوية فحسب، ففرانكو مهم جدًا، هو أداة لطريقة كينونة وعقلية اجتماعية كوّنتنا على مدار أربعين عامًا. نحن بلد تمثل فيه الدولة والقانون والدستور عدوًا، بدلًا من أن يكونوا البداية، وها نحن فهمنا ذلك، وسأرى كيف يمكنني التعبير عن ذلك، التعبير عن هذه الصعلكة. إن تجاوزهم القانون، تمردهم عليه، وصنع الفخاخ، كل ذلك يعتبرونه جدارة، وهي أشياء لا تفعلها الدول الديمقراطية الأخرى. يصنعون فخاخًا لكن من دون تصفيق. وهذا أحد الكوابيس/الإرث الخاص بتاريخ إسبانيا الطويل.
(*) أبو خطيبة البطل رجل فرانكوي مقتنع بأن هذا النظام هو تقريبًا فجر الحضارة.
– نعم، وهو إحدى أكثر الشخصيات احترامًا لأنها على الأقل تعتقد فيما تفعل. الـ 99% من المجتمع لا يعتقدون في ذلك، لكنهم مع ذلك كانوا يشعرون بالراحة في وضعهم ذاك. الحقيقة أن هذه الشخصيات كانت موجودة لكننا الآن نسيناها، وفيلق فرانكو يبدو لنا كرقصة أقنعة تقريبًا، لكن كانت له لحظته، سبب كينونته وتأثيره الكبير مثلًا في كتالونيا. لقد أصبح كثيرون من مثقفي كتالونيا من نفس الجيل أتباعًا لفيلقه لأنه بدا لهم حركة حديثة تتجاوز الأحزاب السياسية والفساد. وفي النهاية، نفس الحكاية المعروفة.