إليزابيث بيشوب
ترجمة خالدة حامد
فنٌ واحد
ليسَ صَعباً أن تُتقِنَ فنُّ الفَقْد.
ثمّة الكثير من الأشياء تبدو مُترعة بنيّةِ الفَقْد
حدّ أن خُسرانَها لا يُشكّلُ كارثة.
افقِدْ شيئاً كلّ يوم ولا تكترث:
تقبّلْ حَيرة فقدان مفاتيحِ الأبوابِ
وساعة من الزمن تذهبُ سُدى.
فليسَ صَعباً أن تُتقِنَ فنّ الفَقْد.
ثُمّ تمرَّنْ على مزيدٍ من الفَقْد، وبأسرع من ذي قبل..
لأماكنَ وأسماء، ووجهاتِ كنتَ تنوي السفر إليها.
ولن يُشكل أي منها كارثة
فقدْتُ ساعةَ أمّي. وأنظرْ! ضاع مني البيتُ الأخيرُ
أو ما قبلَ الأخيرِ، من ثلاثة بيوتٍ أحببتُها.
ليسَ صَعباً أن تُتقِنَ فنّ الفَقْد
فقدْتُ مدينتينِ، أثيرتين على قلبي
وفقدْتُ عوالمَ أكثر اتساعاً كانت بحوزتي:
نهرينِ وقارّة.
لكم أفتقِدُها! وليس الأمرُ بكارثة.
حتى فقدك أنت (بصوتك المازِح، ولفتاتك التي أُحِب)..
وما كنتُ لأكذب. واضح تماماً
ليسَ صَعباً أن تُتقِنَ فنُّ الفَقْد،
مع أنه يبدو…(اكتُبيها!) شبيهاً بالكارثة.
*إليزابيث بيشوب، شاعرة أمريكية ذاع صيتها بعد وفاتها عام 1979حتى لقّبها النقاد بـ»ذات العين الثاقبة» لأنها تبصرُ ما لا يُبصره غيرها. وصف الناقد الكبير هارولد بلوم شعرها بأنه «يقف على شفير موضع يكون فيه ما ينبغي قوله هو بالضبط ما يصعُبُ قوله»، وكتب أوكتافيو باث عن «قدرة بيشوب الهائلة على الكتمان. وأن أعظم درس نستخلصهُ من شعرها هو أنك حين تستمع للشعر لا تستخلص أي درس بل تغمرك لذة، لفظية وفكرية، معاً، كما لو أنك كنت تمر بتجربة روحية كبرى». وفي أنطولوجيا شعراء القرن العشرين تم وضعها في مصاف ت. س. إليوت، والاس ستيفنز، و. هـ. أودن. لكنها لم تتميّز بغزارة الإنتاج؛ إذ لم يتجاوز عدد قصائدها 101قصيدة طيلة حياتها. وربما تنطيق عليها في هذا الأمر مقولة الشاعر الإيطالي مونتالي :»فقط الشاعر المزيَّف هو من يتكلم».
لم تصرّح بأيّ شيء عن الشعر، بل ظلّت محتفظة بنفسها لنفسها دون ان تكشف عنها على الرغم من اعتراف الكثيرين بموهبتها، من أبرزهم راندال جاريل، الناقد الأهم آنذاك، وكذلك الشاعرة ماريان مور والشاعر روبرت لويل (الشاعر جون أشبيري أطلق عليها تسمية «شاعرة الشعراء»).
الشعر عندها طريقة يلجأ إليها الشاعر ليتفكر في مشاعره الخاصة شريطة أن تكون هذه المشاعر مبهمة، متوارية، أو مكتوبة من منظور مغاير. لم تكتب قصيدة «فن واحد» إلا في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأرسلتها لصديقها الشاعر روبرت لويل الذي انبهر بها قائلاً :»لقد وجدت قصيدتكِ ضالتها، موضوعها مؤلم بقدر ألم فن الفقد، لكن سخريتكِ الرصينة تقنعني بأن الفقد هو من الحسنات. أما شكل القصيدة، وإيقاعها وأبياتها الأربعة الأخيرة فهي الانتصار الحقيقي؛ هنا يدوّي صوت الشاعرة. أنتِ تُذكرينني بشعراء كبار مثل توماس وايت وجورج هربرت؛ فأنتِ تمسكين بزمام كلماتك».