علوان السلمان
الاشتراطات الفنية التي تؤثث النص الشعري تنحصر في اللغة الشاعرة الشفيفة المدهشة التي تكشف عن قدرة الشاعر في توظيف خزينه اللغوي من اجل خلق نص يحاكي الواقع..فضلا عن الخيال المبتكر الذي يسهم في خلق الصور المحركة للذاكرة من خلال القراءة التي هي فعل المقروء وحضوره الواعي المنعكس على شعور المتلقي واستلهام عوالم الابداع وعمق التدفق الشعري الذي يحمل ارهاصات الشاعر في مدلولات نصوصه التي تمنح متلقيها سيرورة القراءة المتأنية للوقوف على دلالاتها المتحققة في (احبك حتى اشتعال الرماد)2012..المجموعة الشعرية التي حققتها ذهنية الشاعر محمد الصيداوي ونسجتها انامله وبعثتها للوجود جامعة ديالى.. مع مقدمة تعريفية فرشت روحها للاستاذ الدكتور سعيد عدنان المحنا..منها(تجربة الديوان في اعماقها متسقة متكاملة منسجمة مع ادواتها في التعبير الى حد كبير حتى بدت قصائد هذه المجموعة وكأنها قصيدة واحدة من حيث رسوخ التجربة ونضج ادائها وتماسكه..) ص4..مع اشارة تذكيرية اعتمدت النداء اسلوبا..
(ايها المحبون السعداء
اذكروا آهات الذين اشقاهم الحب
بشيء من الرحمة والرثاء /ص5
واهداء للامنية المتفردة..
(اليك انت وحدك..اوليا) /ص6
فالشاعر يتجاوز همه الجمالي والايحائي ويغوص عميقا بين ثنايا النص فيكشف عن رؤية تخترق المألوف ضمن افق اكثر رحابة واتساعا لدراما الوجود المتواصل..
اتيت ياحبيبتي..اتيت
اتيتك الان وخلفي الخوف..والحب
امامي يفتح الاسفلت والزحام..
وكلما قاربته وثب..
اتيت من مفازة الالهة المشردة
اتيت لا اشكو لعينيك سوى
حرائق الاحلام وابتسامة اللهب /ص7
فالشاعر يستند في نصه على كلامية تلقائية وآليات تواصل ذهنية (التأمل/الحب/الحلم..)فيبني نصا شعريا قوامه الفكر الوجداني..اذ الحوار بين الذات الواعية والذات المتخفية وراء قناعها اللفظي..فيشكل نصا شعريا من التداعيات وتوظيف الظرفية المكانية(خلف/امام…) التي تكشف عن علاقة الشاعر بالمكان فتشكل بعدا وجوديا يشغل حيزه فيضع الذات في ذروة المتخيل الممتد الابعاد والمفتوح على آفاق غير محدودة..اضافة الى تحويل الذاكرة الى شعر.. فضلا عن احتشاد النص بالسياقات المتباينة والدلالات والمعاني..باعتماد لغة شعرية ترتفع نحو افق يضج بالمفارقات..مع موسقة مضافة تنبعث من التكرار الذي كشف عن عمق الاثر النفسي الذي تركته التجربة الوجدانية في الشاعر..لانه صفة بنائية تحتفظ بضرورتها الدلالية في النص والتي تضفي نبرة توكيدية وموسيقية ..كونها اسلوب فني وعنصر بنيوي له دلالته التي تتعمق من خلال اضفاء الالفاظ المنتقاة المتميزة بقربها من الفكر والواقع..
اما العنوان الجملة الاسمية التي لا تخلو من ترميز قصدي..بفونيماتها الاربع والتي تحيل الى احد المقاطع الشعرية التي تشكل موقفا وظيفيا ..كونها تسهم في استبصار بنية النص وفك شفراته بالخوض في مكنوناته..كونه بنية صغرى تنسجم وعوالم النص الكبرى(المتن)..
أوليا..
لاني احبك حتى اشتعال الرماد
لاني احبك حتى تغار القصائد مني
عليك..وحتى ترف على
وجهك القمري طيور المداد /ص47
فالشاعر يتوثب باتجاه المعنى وهو يتعبد في صومعته مصطحبا الحب والالم.. اذ اقتحامه المحظور بنص حداثوي جريء متمسك بجذوره الشعرية..موظفا مجموعة من التقنيات السردية مع استحضار المشهدية الدرامية..
قالت(عدن الي سريع)وبكت
فبكين علي كثيرا..وبكيت علي..
لكني حرضت النار المشبوبة في اطراف سكوني ضدي
والماء الدافق من غيمة خوفي ان يسالهن
علام تبادرن العود بلا ضوء..
اومأن وقلن: الشاعر لا تحمله الا سبع حمامات منا..عذرا..عذرا
ورجعن بلا ضوء /ص14
فالشاعر يخالجه حلمه الدفين المعبأ بالتراث الروحي الانساني فيقدم رؤية شعرية متكأة على ممكنات فنية وجمالية وايحائية وتخييلية..فضلا عن انها تجعل تجربة الكتابة مفتوحة ومتعددة الابعاد بحكم صورها المركبة التي تبنى على اعادة النظر في العلاقة القائمة بين الاشياء ومدلولاتها..اضافة الى ذلك فالنص يسبح وسط عوالم الواقع والخيال والترميز الذي يحفز الذاكرة لاعتماد التأويل مع توغل الحواس في نسج الصورة الشعرية(البصر/بكين علي..)و(السمع/الماء الدافق من غيمة خوفي..) و(اللمس/الشاعر لا يحمله الا سبع حمامات..) وبتلاحم هذه الحواس يتحقق المشهد الصوري الحسي الذي يعزز وقع النص الشعري وتاثيره في متلقيه..
ويا (شهربان) اريحي على شفتي قوامك
من نخلة عند(صيدا)وحتى اضاميم عوسجة
عند(وادي الغزال)..
اريحي قصائدك المبتلاة بنزفي..او قبليني
فما انت الا نقوش من الحزن
في جسد من رمال.. /ص38
فالنص يكشف عن تجربة شعرية تفيض بنبعها الانساني المنحصر في تجلياتها المتعددة الابعاد..المنبعثة في وجودها الشعري الدينامي..النامي..مع ترجمة للمكان والاشياء كي يحقق تجربة مفعمة بالانبثاق وادراك الالم الانساني في بعده الوجودي والفكري..
فالشاعر يركز في بنائه الشعري على الفكر واللغة والصورة الحية النابعة من الواقع..فضلا عن الذاكرة الفاعلة التي تحمل بلاغة الشعر وموسيقاه لما تتضمنه من مدلول ذاتي وتراثي وتوظيف مكاني يمنح النص وظيفة توثيقية تبث اوجاع كاتبها..فتقدم سفرا داخليا لذات الشاعر المفعمة بالالم والمختلقة للدهشة والمعنى الشعري..
لقد قدم الشاعر نصوصا حفلت بخصوبتها ووضوح صورها الشعرية المركبة وهي تعتمد مستويين شعريين:
اولهما: مستوى الخطاب الحياتي..
ثانيهما: مستوى الخطاب الفني المختفي خلف رمزية شفيفة تحاول استكشاف الخبايا القاطنة وراء الالفاظ في رؤية متعددة لاضفاء ذائقة جمالية تخاطب الفكر والوجدان بدفقاتها الشعورية التي تحمل وحدة موضوعية ولغة بعيدة عن التقعر والتعقيد وتصوير شعري فيه رؤية شاعرية لما هو كوني وعاطفي ووطني ..
رصيف انا بانتظار المشاة
تاكل صدري رقيما على الجثة الثانية
فلا عابر جاسه بالبكاء
ولا صبية عابثوه
ولا امراة طهرت نهره حافية /ص31