أعلنت لجنة نوبل للسلام عن منح جائزتها لهذا العام (2018) للعراقية الإيزيدية نادية مراد والطبيب الكونغولي دينس موكويجي لنشاطهما الواسع والشجاع في مواجهة العنف والإجرام المنظم ضد المراة. لقد مثلت الشابة نادية مراد (من مواليد العام 1993) وبعد هروبها من قبضة عصابات (داعش) الإجرامية، قضية شعبها ومحنتها الشخصية وما تعرضت اليه قريتها المسالمة (كوجو) بكل قوة وشجاعة أمام المحافل الأممية، لقد تمكنت وعبر تضامن كل قوى العدل والخير والجمال ولا سيما عند الشعوب والأمم التي غادرت عصور وعقائد العبودية والإذلال؛ من الانتصار المعنوي والقيمي على القوافل الهمجية التي هاجمت قريتها وقتلت المئات من سكانها من بينهم أمها وستة من أشقائها، واستعبدت النساء والأطفال بكل خسة ودونية وغدر. استعباد وانتهاكات لا مثيل لها في العصر الحديث عاشتها ابنة قرية كوجو لأشهر قبل فرارها وتمكنها من الوصول الى ألمانيا، حيث تمت معالجتها جسديا ونفسياً لتنهض مجدداً للدفاع عن قضيتها وحقوق وكرامة بنات وأبناء جلدتها بعد سقوط الموصل والمناطق الأخرى بيد (داعش) صيف العام 2014. إن حصول السيدة نادية مراد على جائزة نوبل للسلام، تمثل محطة مهمة تختزن الكثير من المعاني، فهي بالإضافة لكونها تتويج لمشوار دؤوب من النشاط والكفاح، خاضته ابنة كوجو في التعريف بقضية شعبها ومحنته، حيث تم تكريمها العام 2016 بأهم جائزة أوروبية في مجال حقوق الإنسان (ساخاروف)، فإنها عينت بنفس العام سفيرة للنوايا الحسنة من قبل منظمة الأمم المتحدة، وقد تخلل ذلك المشوار نشاطات ولقاءات متعددة مع قادة العالم وشخصياته المرموقة، لتحشيد التعاطف والتضامن مع ملف الإيزيديين المنسي وبنحو خاص الإيزديات اللواتي ما زال مصيرهن مجهولاً منذ لحظة اختطافهن حتى يومنا هذا. إن هذا الاحتفاء والانتصار الأممي لهذه القضية وممثلته الشجاعة، يعكس لنا شدة التباين والمواقف بين الأسرة الدولية ومؤسساتها الرسمية والشعبية، ومواقف شعوب وقبائل وملل وحكومات وجماهير هذه المضارب التي جرت على تضاريسها كل هذه الجرائم والانتهاكات البشعة لأكثر حقوق البشر بدائية.
مواقف وردود أفعال تشير الى أن القوم في عالم آخر، تتقاذفهم هذيانات وهلوسات وسرديات عصور ما قبل المغفور له كوبرنيكوس، حيث ما زال الكثير منهم (أفرادا وجماعات ومؤسسات) لا يجدون في كل ما مارسته تلك العصابات الدينية، أمرا مثيرا للغضب أو القلق، فالبيئة والمناخات والمؤسسات والأحزاب والمصالح والقناعات والحاضنات التي أوجدت داعش ومن قبلها بقية سلالات (التكفير والهجرة) وأتباع (الفرقة الناجية) ما زالت باقية وتتمدد على هذه التضاريس المستباحة. هناك الكثير من المعاني التي يمكن التطرق اليها مع أول جائزة نوبل يحصل عليها العراقيون، لكن مساحة هذا المقال لا تسمح بالتطرق اليها بشكل واسع وشامل، لكنها في نهاية المطاف تعد مناسبة كي يعيد سكان هذا الوطن القديم؛ النظر بحالهم وأحوالهم والشروط التي جعلت أبوابه مشرعة أمام حثالة المجتمعات والشعوب والدول، كي تجعله مسرحاً لتنفيذ هلوساتهم العقائدية، ومنها بعث الروح بمومياءات الخلافة وقوافل الغزوات والسبي واستعباد عيال الله تحت ذريعة تطبيق حدود الله. إن انتزاع السيدة نادية مراد لأهم جائزة عالمية (نوبل) يدعونا وبقوة لإعادة النظر بكل هذه المواقف المتخاذلة والمتواطئه مع القتلة وحثالة المجتمعات والقيم، كي يسترد الوطن عافيته وتوازنه وأحراره المبعثرين في بلدان الشتات، وعلى رأسهم فتاة كوجو الشجاعة…
جمال جصاني
نوبل لابنة كوجو
التعليقات مغلقة