النساء بين الكوتا والوصاية

جاءت “كوتا النساء” كحل مؤقت لعزوف أو تهميش النساء في الحياة السياسية، وكمعالجة لذلك الاغتراب الطويل لهذه الشريحة في صناعة القرار وإعادة التوازن لمجتمع ودول فشلت في التواصل مع متطلبات وتحديات عصرها. لقد حجز الدستور العراقي الجديد نسبة 25% من المقاعد التشريعية (الاتحادية منها والمحلية) لشريحة النساء، ويعد ذلك خطوة في الطريق لإنصاف هذه الشريحة التي عانت كثيرا بعد الردة الحضارية في العقود الأخيرة، عندما استردت القبائل والعقائد الذكورية لفتنتها وسطوتها، ولا يحتاج المتابع لكثير من الجهد كي يكتشف حجم الانحطاط الاجتماعي والحضاري والقيمي الذي انحدرنا اليه، فبمقدوره عبر قياس حجم التغول الذكوري الذي بسط هيمنته المطلقة على شؤون الحياة المختلفة، لوطن قدم أول وزيرة وقاضية في تاريخ المنطقة الحديث؛ التأكد منه والتعرف على تجلياته السافرة في تفصيلات حياة العراقيين أفرادا وجماعات، وما الهجمة السافرة والمتتالية والتي لا تعرف الملل والكلل في النيل من قانون الاحوال الشخصية لعام 1959 إلا دليل آخر على ذلك التردي الحضاري والاجتماعي والقيمي، الذي انحدرنا اليه بهمة ذكور حقبة الفتح الديمقراطي المبين، وتهاون أو تواطؤ غالبية المنتسبين لقافلة “كوتا النساء” اللواتي لم يقصرن في رد جميل من منحهن مقاعد ومناصب وعناوين حقبة الفتح الديمقراطي المبين. المتابع لدور ومكانة المرأة بعد ما يفترض أنها مرحلة للعدالة الانتقالية
ننتهي فيها، من معالجة حزمة من الملفات الشائكة وعلى رأسها قضية المراة وحقوقها واسترداد دورها كشرط لاسترداد المجتمع لعافيته وتوازنه؛ يجدها قد تقهقرت مقارنة مع باكورة القرارات التي صدرت بعد استئصال المشرط الخارجي للنظام المباد ومؤسساته، أي زمن تأسيس ما يعرف بـ (مجلس الحكم) الى يومنا هذا، حيث تم إجهاض وإفراغ قانون (كوتا النساء) من غاياته التي سن من أجلها، لذلك نجد المسار المفترض معكوساً، حيث لم تتوسع حصة النساء في المشاركة المستقلة والفعلية في صناعة القرار وحسب بل يمكننا القول انها تراجعت بعد كل دورة انتخابية يشهدها البلد. ولأسباب تطرقنا اليها مراراً، لم نشهد في هذا الملف الحيوي (دور النساء) أي تطور جدي أو بروز ناشطات نسويات حقيقيات وفاعلات ينهضن بمسؤولياتهن في مواجهة اخطبوط الشبكات الذكورية المتسللة لجميع تفصيلات حياة الدولة والمجتمع، بل برز لنا نوع من النساء قذفتهم الكوتا والمحاصصة الى مقاعد المجالس التشريعية (الاتحادية والمحلية) لا علاقة لهن بهموم المرأة وحقوقها المهدورة، ليس هذا وحسب بل ابتكر البعض منهن مصطلحاً جديدا في قاموس الديمقراطيات الجديدة ألا وهو (المحرم) حيث يلازمها أحد ذكور العائلة في حلها وترحالها، بعد أن انتقلن من وصاية ذكور الأسرة والعشيرة الى وصاية كتل لا تخفي هوياتها ورسالتها الذكورية الخالدة.
خمسة عشر عاماً من (الكوتا والتغيير) كان بمقدورها تمهيد الطريق أمام تطور واسع وعميق للمجتمع العراقي بكل شرائحه، وعلى رأسها الشريحة التي تحملت أقسى وأثقل فواتير حقبة العبودية والإذلال والاستبداد والحروب (النساء)، وها نحن مع فرسان الدورة الرابعة للانتخابات التشريعية، والتي كشفت عن ملامحها في باكورة النشاطات (انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه) حيث لم تتذكر الكتل وجود أكثر من 80 عضوة برلمانية، تستحق إحداهن أن تكون عضوة برئاسة البرلمان وذلك أضعف الإيمان، وهذا ما سيحصل في بقية المواقع التشريعية والتنفيذية والقضائية والدبلوماسية، التي لن تحيد عن ثوابت المشيئة الذكورية ورسالتها الظافرة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة