محمد ديبو محمد ديبو
ليس هديراً ما يأتي من البحر
بل عواءُ حقائبَ تحنّ لمسة أصحابها.
ليس أوكسجينا هذا الماءُ
بل بلادٌ ضيقةٌ كماءٍ آسنْ كسجنٍ منسي.
ليس صدفا ما يرمي به البحرُ
بل أحلامُ أطفالٍ شفّها الماءْ.
ليس انعكاسُ القمر ما يضيءُ هذا البحر
بل لمعةُ عيونٍ لم تجد من يغلقها
لحظة أُطفئ القلبْ.
ليستْ أشنياتٍ
ما ينمو على قاع المحيط
بل وصايا لم تجد دفتراً، سوى الماء،
تكتبْ عليه.
ليست وشوشاتُ الدلافين للماءِ
هذا اللحن الذي نسمعه
بل تلويحة أيدي الغارقين للبيوت التي تُركتْ مهجورةً
في بلاد تسمّى الوطنْ.
لم يعد هذا الماء H2o
بل غصتين وآهْ.
ليسَ موجاً هذي الكائنات التي
تتدافعُ على سطحِ الأزرق المائي بل مشيعيون
والجثةُ محمولة في الأعماقْ.
هذا الزبد ليس شهوةَ موجٍ للرمال
أو بقايا الحب على شرشفٍ أبيض
بل غصةُ قلوبِ أطفالٍ ذاقت الهجران
على أمهاتٍ مضينَ إلى القاع
بقلوبٍ معلّقة على أصابع أطفالهن
كأشرعةِ سفنٍ تخلّت عنها الريحْ.
ليست غضبَ طبيعةٍ
هذي الأعاصير بل بصاقُ غرقى
على ضميرِ عالمٍ ميتْ.
ليس رملاً هذا الشاطئ
بل بقايا رسالةِ حبٍّ لم تصل،
اعتذارُ طفلة من أمها لأنها لم تشرب كأس الحليب هذا الصباح،
ندم زوجة لم تحمل من الحب إلا الشجار الأخير
لا قبلةً تدفّىء رحلةَ الموتِ هذهْ.
هذا الذي يطفو على مهلٍ بين موجتين
ليس نفايات نزهة عائلية
بل حذاء رفض الذهابَ إلى القاعِ مع صاحبهْ.
كيف نعلّم أطفالنا أنّ لونَ البحرِ أزرقُ
وهم يرون الأحمر الخارج من قلوب كواها البكاء؟
أم أنه أزرقٌ حقاً
لونُ جسدٍ بعد الاختناق؟!
ليس ملحاً طعم هذا الماء
بل دموعْ.
ليس غروباً هذا البرتقالي بل بقايا دمنا،
دمنا الذي لم يجد أرضاً صالحةً للموت
أو بحراً صالحاً للغرقْ.
يا بحر .. كيف أصبحتَ حدوداً ومقابر
لم لم تكن جسراً ومعابر؟
يا بحر .. لم يبق شاطئ
لم تصله جثةٌ منّا
لم تبق يابسةٌ لم تصبح حدوداً
لم تبق سماءٌ تتسع لفيضِ أرواحنا
فهل صار الكون قبرا والأرض مجرّد تابوت؟