بغداد- وداد ابراهيم :
عندما كلفت من قبل الفنانة التشكيلية عشتار جميل حمودي عام 2002 بالكتابة عن حياة والدها الفنان الكبير جميل حمودي ومن خلال زيارات اقوم بها لبيته في منطقة السيدية في بغداد ولمرتين في الاسبوع.
عشت في قلق، قد لا يصل ما اكتب خلال سطور في كتاب حتى وان كان الف صفحة الى مكانة هذا الفنان المعروف، ولكن من دون ان ارفض قررت ان ادخل بيته، وحين زرته وهو على كرسي متحرك وجلست معه في اول لقاء والذي استمر لأكثر من ساعتين، فكرت بأن لابد لهذا الكتاب ان ينجز، ومن الحماقة ان اغفل اي يوم او لحظة من سيرة هذا الانسان، وقد وجدت ان الشيء الذي يهمه ويوقظ عواطفه وخياله هو الفن فقط ، كونه راصداً غيوراً لكل تفاصيل الفن والتاريخ وهو ذو قوة ملزمة وفنان في ميوله، مثالي صلب الرأي. كنت حين اعود من زيارته اقرأ كل ما كتبت معه فاجد انه بحق وضع امامي صفحات من حياة رجل حديثه بليغ وصمته اكثر بلاغة، ابتسامته صريحة وشديدة وان كانت ذات قسوة لكنها ليست باردة، شديد الحيوية حتى في آخر عمره ومرضه، كنز فني اجتماعي ادبي تاريخي ثقافي حضاري وطني عراقي علي ان استمع واستمتع واحلق معه في عالم الابداع الابدي ومن ثم اكتب امامه وهو يملي علي حياته، شاعراً كاتباً محرراً رسامًا مؤلفا ًنحاتاً، يصيغ العبارات بأسلوب واحساس وادراك ووعي وثقافة ذهن وذاكرة لا تمل التفاصيل المهمة الحساسة، لذا قررت ان اضع اوراقي مدونه في سجل خاص ومرتب لانها قصاصات مهمة في الكشف عن جذور حياة واقعية وراء اعماله وكتاباته، وصرت احسب الساعات لموعدي معه والجلوس امامه وهو يتحدث لي عن حياة مكتنزة ثرية بكل تفاصيل الابداع العراقي الكبير، ووجدت نفسي امام فنان لايمتلك الموهبة فحسب بل لديه حظ وافرمن العبقرية، ومبدع كبير بسيط ومتواضع، بدأ رحلته مع الفن وكانت عدّته من عقل صاف ووعي طبيعي بالفن التشكيلي وخيال واسع حساس ورصين.
جميل حمودي وفي عمر الادراك بدأ يقرأ لا من اجل اغراض ثقافية ولا لتحسين ذاتي انما كان يقرأ من اجل غذاء روحي، هذا الفنان يريد ان يسجل تفاصيل حياته في كتاب لا من اجل ان يخلد نفسه بقدر ما تكون هذه السيرة درساً فنياً انسانياً كبيراً للدارسين والفنانين والمهتمين بالتشكيل العراقي.ويضع امام الاجيال فنه واعماله المسرحية وكتاباته النقدية واشعاره وتأسيسه لدار نشر في العراق (الفكر الحديث)، ودراسته في اللوفر والسوربون في باريس (ما بين الاعوام1947- 1957)وتاسيسه لمجلة ودار نشر اشتار في باريس وحصوله على وسام الثقافة الفرنسية من وزير الثقافة الفرنسية جاك لانك عام 1987 وعلى اعلى وسام من الرئيس الفرنسي جاك شيراك عام 2001 والقضية الاهم في حياته الا وهي ادخال الخط العربي بأعماله.
فنان سجل عام 1957 في قاموس بعنوان الرسم التجريدي صدر بمناسة معرض فني بعنوان ( 50عاماً من اللوحات التجريدية) انجز من قبل الناقد الفرنسيMichel Seuphorميشيل سي فور وتضمن المعرض 250 لوحة فنية انتجته دار هازن
للنشر، وذكر فنه وسيرته في قاموس آخر متخصص بالفن العالمي اصدر عن قاعة ريموند كروز Raymond Creuze (وقد اقامت القاعة معرضاً خاصاً بالفنانين الذين جاء ذكرهم في قاموسها واصدرت كراساً بالأعمال المعروضة
كما ذكرت سيرته الفنية في قاموس باللغة الفرنسية (الرسامين والنحاتين وفناني الكرافك) في الجزء الخامس E.Benezit للمؤلف عام 1976.
كما صدر عن حياته كتاب بعنوان الفن الحديث في العالم للناقد الفرنسي كاستون ديل عام1960 في باريس.
وصدر عنه ايضا كتاب عن منظمة اليونسكو في باريس عام 1987 وباللغتين العربية والفرنسية كتبه المفوض العام للرابطة الدولية للفنون التشكيلية –اليونسكو تقديم اندره بارينو Andre Parinaud .
فيما صدر كتاب بعنوان جميل حمودي الرائد للكاتب الفرنسي بول بالتاPaul Balta لمناسبة معرضه الاستيعادي في(المتحف الوطني للفنون الافريقية والمحيطية) باريس عام 1987 وصفه الكاتب بأنه رجل الاكتشافات العديدة رجل الاغناء العميق. رجل الانقطاعات رجل الهجرة رجل العودة الى الوطن الام. كما كتب عنه تحقيق مصور باللغة العربية بقلم الياس ديب في مجلة كل العرب وصدرت عنه دراسة تحليلية للناقد الفرنسي روبير فريناRobert Vrinat باللغة الفرنسية (باريس عام1951) وصدرت عنه دراسة تحليلية باللغة الفرنسية بقلم فاديد جيلالي في مجلة اخبار الهجرة في باريس عام 1987 .
جميل حمودي وصف نفسه في احد معارضه عام 1997 بعبارات مبهرة يقول فيها: يظل الفن عندي بلورة تنعكس عبرها الحياة بما فيها من نبض يشكل المادة والروح وبما فيها من تجليات تتصاعد سمواً فتبلغ ارفع القيم وتتهافت هبوطاً فلا تتجاوز حدود ما اراد الله تعالى لنفس الانسان ان تبلغة من درجات التهافت ويظل فني هو الذي يستوحي الحياة من ثناياها التعبيرية والتجريدية يتحرك بين القيم الانسانية معتمداً جمالية الحرف العربي تعبيراً عن انتمائي لحضارتنا وقوميتنا وانطلاقاً عن طريق زمننا المعاصر.وأحب ان اعرج على ان جميل حمودي كان قد نشر عدة بحوث عن الحضارات والفنون القديمة باللغتين العربية والفرنسية تلبية لدعوة منظمة اليونسكو للمساهمة بالندوة العالمية عن الثقافة العربية كخبير في هذا الموضوع اذ طرح موضوع التربية الجمالية والاستفادة من المتاحف المختلفة كوسائل مباشرة لتكثيف امكانيات التوجيه التربوي في هذا المجال.
ومن المهم ان اعرج على كتاب (فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق للمنظر والفنان الراحل شاكر حسن ال سعيد) وقد جاء في الصحفة 127 ان في عام 1974 نشرت وزارة الثقافة في العراق عدة كتب بمناسبة المؤتمر الاول للاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب منها كتاب البعد الواحد للفنان جميل حمودي وهذا دليل على اهتمام الدولة حينها بالتنظير الفني لانه يعتبر تحصيل حاصل للسياسة الثقافية في العراق. ما احب ان اوضحه هنا ان نظرية البعد الواحد تعد ظاهرة ثقافية من ظواهر الفكر العربي المعاصر وان ما قدمته جماعة البعد الواحد من فكر يبقى اساساً لتبرير استعمال الحرف وظهور الفن الكتابي العراقي الحديث.
ما جعلني احرص كل الحرص على ان اضع كل ما تحدث به هذا العبقري وفي صفحات اشرح نشوء الفن في روح هذا المبدع بتعبيرات سردية مباشرة، ومتأملة من القارئ اختبار الاحساس بكل النمو الفسلجي والروحي الذي بلور موهبة الفن والكتابة والتأليف والنقد .