دراسة.. الجزء الثاني
عبد علي حسن
والحال هذه فإن احتمال توجيه السؤال الى )هالة (حبيبة برهان بمعنى الاستفهام عن سبب كراهيتها ل )ريمارك(امر غير وارد لأن برهان يعرف أكثر من غيره بقسوة الحرب التي عبر عنها ريمارك في رواياته خاصة تلك التي قرأتها )هالة (وعلى لسانه اشار برهان (كرهت كثيرا قسوة ؛ كل شيء هادئ في الجبهة الغربية ؛ …….النص ص36 ، )لذا فإن حكم الاستفهام الوارد في العنوان كما نعتقده هو استفهام انكاري بمعنى التقرير ، ومعناه حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد تقررعنده ثبوته او نفيه، ويجب ان يليها –اداة الاستفهام –الشيء المقرر به، كما يجب في الاستفهامية ان يليها الشيء المستفهم عنه ، وهنا كراهية ريمارك ، لذا فقد كان الاستفهام ب (لماذا تكرهين ريمارك(هو محاولة برهان لحمل هالة على الاقرار بكراهيتها لريمارك ، ولحثها على الوصول الى المعادل الموضوعي لقسوة الحرب ، فكان في قوة الحب ، وهو ما تضمنته العتبة الثانية للرواية التي كانت تحت عنوان )اشارة (وهي استعارات من الشاعر الانجليزي ( ت. س . اليوت ) ضمنها الروائي والراهب الروماني جورجيو فيرجيل قسطنطين في روايته )الساعة الخامسة والعشرون ( عام 1949 التي ترجمها الى العربية فائز كم نقش عام 1964 وهي رواية عن مصير الانسان وازمة هويته ، التي غالبا ما تكون قذارة الحرب سببا في تدميرها بكل عرقياتها واديانها وايديولوجياتها ، وفي هذا الاقتباس لامس الروائي محمد علوان وجهة نظر نصوص اليوت وكذلك في رواية قسطنطين وتحديداً في حوارية موريتز وتريان ، حيث نتعرّف من خلال هذه الحوارية على رؤية الشخصيتين في موضوعة مواجهة الحزن والألم بالحب وطهارة النفس ، وهو تأكيد لرؤية اليوت في ان الحب هو المعادل الموضوعي للحرب ، وقد اراد محمد علوان من خلال اشارته المقتبسة ان يتبنى رؤية رواية اليوت وقسطنطين، وكذلك رؤية ريمارك ولنا ان نتساءل :-اما كان بالامكان التوصل الى طرح رؤية الرواية من خلال احدى شخصيات روايته دون الاتكاء على رؤية اليوت او ريمارك؟ وعود على بدء فإن التخيل في الرواية قد خضع الى نسقين ، فالنسق الأول قد دخل منطقة التخيل الواقعي بمعنى تمثيل الواقع ، وقد امتد هذا النسق على مدى تسع وحدات سردية توزع سردها بين الراوي العليم والراوي كلي العلم الذي اضطلعت به شخصية كل من برهان والراوي العليم وثريا وأكرم صديق برهان ليكون هذا التعدد في الروي سمة اسلوبية كشفت عن قدرة المؤلف في الوصول الى مناطق بعيدة في الشخصيات الراوية ، اما النسق الثاني فقد تضمن تخيلا غرائبيا تمظهر في اسلوب لعبة الميتاسرد التي اتخذت وضعا مغايرا لما الفناه في العديد من الروايات العراقية بخصوص استعمال لعبة الميتاسرد من خلال كتابة التقرير الصحفي او المقابلات الصحفية او تقارير وكالات الانباء ، اذ جاءت اللعبة الميتاسردية على شكل كتابة سيناريوهات لشركات انتاج سينمائية حول الحوادث الجارية في بنية المجتمع العراقي بعد 2003، لقد شغل هذا النسق الثاني الوحدات السردية الواقعة بين الوحدة العاشرة –وتحديدا منذ بدء البحث عن )عامر ديوان (لتسليمه الورقة التي ائتمن فيها الرجل الغامض الذي كان رفيق اكرم في المستشفى –ليتخذ السرد في هذا النسق وضعا ميتاسرديا يمارس فيه اكرم لعبة سردية على شكل قصة افتراضية لتتحول فيما بعد الى سيناريو فلم بعنوان القطاف المر، وبذا فقد توزعت الوحدات السردية في الرواية البالغة 18وحدة سردية الى قسمين متساويين احتفظ كل قسم منهما بنسق بنائي مستقل عن النسق الآخر مع الأخذ بنظر الاعتبار محاولة النص الروائي اشراك شخصيات الرواية بنسقيها في اللعبة الميتاسردية التي ظهرت بشكل مفاجيء في القسم الثاني.
الذي اسهم في حصول ارتباك في عملية التلقي التي استساغت التخيل الواقعي ممكن الحدوث في القسم الأول الذي من الممكن عده الخلفية التي تمكن فيها المتلقي من التعرف على الشخصيات وحيثيات العلائق بينها ، الا ان ذلك لم يضع المتلقي في منطقة الاستعداد لتقبل السرد اللاحق الذي جرى على وفق نسق ميتاسردي اختلطت فيه الأحداث وتشتت الحكاية عبر انتقالها الى حدث جديد ربما تولد في اثناء التقدم في كتابة الرواية التي وجد فيها المؤلف نفسه منساقا الى كسر النسق الذي بنيت وفقه احداث القسم الأول الذي خضع للتخييل الواقعي ، واعني بالحدث الجديد هو كتابة سيناريو )القطاف المر (من قبل أكرم عبر تخييل افتراضي لسقوط المظلي الاميركي )بول جوزيف (في مزرعة ناصر جواد وتداخله بطريقة مقصودة وغرائبية مع حدث ظهور الأميركان في المزرعة فعلا ومثلهم رجال الميليشيات الملثمين ليكون اكرم هو المتهم الأول في قضية اختفاء المظلي الاميركي ، ومطالبة الملثمين بشكل يومي لأكرم بوضع نهاية ل(ناصر جواد )، ونرى بأن هذا التداخل بين نص السيناريو الذي يكتبه اكرم على وفق قصة افتراضية وبين ماحصل فعلا لناصر جواد واتهامه باخفاء المظلي قد جعل عملية التخييل بنسقيها تقع في عشوائية المصادفة التي عزلت التخييل ليبقى سببا في تشتيت الحكاية الذي ادى الى عدم التوصل الى وضع نهايات للكثير من المصائر على مستوى قسمي الرواية ، مثلا علاقة برهان نوري وهالة عبد الحسين وسميرة بعلبكي مع برهان وكذلك مصير ناصر جواد ذاته على صعيد افتراضية السيناريو وحقيقة وجوده على ارض الواقع ..شبكة من التداخلات لم تنفع النص الروائي الذي انشغل كثيرا بحوادث الانفجارات وازيز الرصاص ، والخطف التي تكررت كثيراً في النص متشاغلا عن ما اراد تأكيده من خلال الاشارة في العتبة الثانية للرواية وكذلك من خلال التداخل مع رؤية روايات ريمارك فكلا الاشارتين تؤكد رؤية واحدة وهي مواجهة رداءة الحروب بالحب ..ولكن مجريات الرواية كانت بعيدة عن تكريس هذه الرؤية ، فقصص الحب الواردة في الرواية لم تمتلك فرادة او خروجا على النمط المألوف في قصص الحب العراقية خاصة ، اذ كان الوضع الدائر في مجريات الواقع العراقي بعد 2003الذي اسهمت في خرابه الدبابات والمجنزرات الأميركية وعصابات الملثمين وغير الملثمين والميليشيات الطائفية ، هو الموضوع المهيمن على رؤية الرواية ، الأمر الذي جعل أكرم في الوحدة السردية الاخيرة من التصريح بعدم قدرته على وضع نهاية لسيناريو (القطاف المر ) عبر تأكيده لسميرة بعلبكي وصديقتها المخرجة رندة )سيدتي، يبدو اني لم أعد كما كنت، حتى صرت معتوها ، ليس لأني لم اتمكن من كتابة النهاية المناسبة للسيناريو ، بل اشعر بأن هناك قوة كبيرة تسحبني الى مناطق معتمة ..واشياء كثيرة تضغط صدري وتجعلني موقنا بنضوب مخيلتي …..النص ص 178 )ولعل التداخل التخيلي وارتباك حركة الشخصيات هي ماوضعت اكرم في هذا الوضع الذي لايحسد عليه ، ولعل رد سميرة كان مقترحا من قبل المؤلف لبقاء مصير ناصر جواد ونهاية السيناريو وكذلك المصائر الأخرى عرضة لتدخل المتلقي في ايجاد الحلول (حسنا لنترك الأمر الى الأيام فهي كفيلة في حسم المصائر والنهايات المناسبة لتراكمات كثيرة..مصائر ترسم احداثا وحوادث لها مساس مباشر بحياتنا ….النص ص 179 ) ونرى في هذا الحل الذي اضطر اليه المؤلف تكريسا لوضع الشارع العراقي المضطرب وغير المستقر وانفتاحه امام انتهاكات واكراهات عديدة ، وهنا تكمن رؤية الرواية وليست الاشارة الاليوتية في رواية الساعة الخامسة والعشرون وليس ما اثاره ريمارك في روايته من ان الحب من الممكن ان يكون معادلا موضوعيا للحب .