سمير خليل
بمناسبة اربعينيته اقيمت في بغداد وبرلين وفي يوم واحد جلستان استذكاريتان للفنان الراحل المغترب في المانيا اسماعيل خليل.
والراحل لمن لا يعرفه، واحد من ابناء المسرح العراقي الاصيل ومن جيل السبعينيات، الفترة التي ازدهرت بكل صور الابداع وكان يملك قبل مغادرته العراق رصيدا ابداعيا على صعيد الكتابة والاخراج والتمثيل وواصل ابداعه حتى بعد مغادرته العراق ليرحل عن عالمنا بعد ان ناله الاهمال والنسيان في وقت تكفلت برعايته وعلاجه طيلة فترة مرضه الطويلة الجهات الالمانية.
ولد اسماعيل خليل عام 1948 في بغداد وبدأت هوايته للفن بصورة مبكرة ، أحس بهذا الميل منذ الطفولة الأمر الذي دفعه إلى تمثيل بعض المشاهد في برنامج الأطفال الشهير (جنة الأطفال) الذي كان يقدمه ” عمو زكي ” ويخرجه عبد الهادي مبارك عام 1959 – 1960 وكان عمره 12 عاما ، كما شارك أيضا في المسرح المدرسي عندما كان طالبا في المرحلة المتوسطة والثانوية وفي تلك الفترة بدأ يتعرف على بعض ملامح المسرح الكلاسيكي العربي من خلال قراءته لمسرح يوسف وهبي ورشاد رشدي ،في عام 1967أسس أديب القليه جي في المركز الثقافي السوفيتي فرقة مسرح الصداقة واشترك اسماعيل في أول عمل مسرحي لهذه الفرقة وكان اسمه ” المدمن “تأليف توفيق البصري وإخراج أديب القليه جي وفي نفس العام أخرج مسرحية “الاثول” لجوزيف جوست وكان عملا بسيطا بعدها أخرج مسرحية “الرهان ” إعداد سامي عبد الحميد عن انطون تشيخوف ثم اشترك مع جمعية الآداب والفنون بمسرحية اسمها ” “الأشقياء ” تأليف وإخراج عبد الستار العزاوي وعرضت على قاعة المسرح القومي حيث مثل فيها إحدى الشخصيات الرئيسية.
في عام 1968 دخل اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد وقام باخراج مسرحية (الرجل الرابع) وفي عام 1972 قدم مسرحية (مكبث) لشكسبير كأطروحة تخرج والتي اثارت جدلا واسعا وكادت تطيح بمستقبله العلمي كونه اصر ان يقدم المسرحية بصورة معاصرة في حين اصر اساتذته على عدم الخروج عن الاطر التدريسية والاكاديمية ،كما جسد دور (ياغو) في مسرحية عطيل لشكسبير التي اخرجها الفنان الراحل الدكتور فاضل خليل.
خلال دراسته في الاكاديمية انضم الى فرقة مسرح الفنّ الحديث عام 1969 وعمل مساعد مدير مسرح في مسرحية ” النخلة والجيران ” كما مثل دورا صغيرا في مسرحية ” تموز يقرع الناقوس ” تأليف عادل كاظم وإخراج سامي عبد الحميد، كما اشترك مع الفنان الراحل عوني كرومي ممثلا في مسرحية (كاليغولا ) التي اخرجها عوني ، تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة عام 1972 وتعين في فرقة المسرح القومي عام 1973 بطلب من سلام علي السلطان الذي كان يسعى لتنشيط الفرقة وبنفس الوقت وبالاتفاق مع الأستاذ جعفر السعدي أعيد تشكيل فرقة ” المسرح الشعبي ” بعد تجميدها لاختلافات في داخل الهيئة الإدارية وأصبح اسماعيل سكرتيرا لها و قدم وقتها إعمالا للإذاعة و مسرحية صينية في يوم المسرح العالمي ،انتقل عام 1973 إلى فرقة ” مسرح الشباب المعاصر ” أعد وأخرج فيها مسرحية ” العاصفة ” لشكسبير بعد توقفه عن العمل في الفرقة القومية وقطعت عنه المخصصات لخلاف مع مدير الفرقة آنذاك صفوت الجراح وبعد تعيين المرحوم الفنان طعمه التميمي مديرا جديدا للفرقة كلفه بتنشيط (المسرحيين الشباب ) داخل الفرقة القومية وبمناسبة يوم المرأة العالمي قدم مسرحية ” بيت الدمية ” لابسن إعدادا وإخراجا تمثيل نماء الورد وأفراح عباس وعبد الستار البصري وبعد تغيير الفنان طعمه التميمي عام 1977 كلف اسماعيل من قبل محسن العزاوي مدير الفرقة الجديد بإخراج مسرحية ” الكنطرة ” إعداد طه سالم وهي مسرحية معدة للأطفال وقد لاقت صدى كبيرا وتصدرت صور المسرحية غلاف مجلة فنون آنذاك و رشح للجائزة الأولى من بين أربعة إعمال للأطفال من قبل سامي عبد الحميد ، بهنام ميخائيل ، سليم الجزائري ولكنها لم تقبل لأسباب سياسية ،وكان قد شارك عام 1974 مخرجا مشاركا مع الراحل عوني كرومي في مسرحية (مبادرات عامل ) وهي نص الماني تم تعريقه وقدم على خشبة المسرح القومي ،كما ساهم في اعداد رواية الشياح للكاتب اسماعيل فهد اسماعيل مع فاضل خليل وحميد حساني وقدمت مسرحيا بنفس الاسم عام 1976 على مسرح اكاديمية الفنون .. في اواخر الستينات وبداية السبعينيات شكل المجددون في المسرح العراقي وهم من جيل الشباب انذاك (حركة المسرحيين الشباب) وكان اسماعيل واحدا منهم تياراً وحركة جديدين على المسرح العراقي ثورة على كل عناصر المسرح، التأليف، الأخراج، التمثيل. بفعل التأثيرات الادبية الحداثوية على الجيل أنذاك، ولكونه لازم الحداثة والتجديد منذ بداياته وظل ملتصقاً ومتواصلاً بهذا النهج حتى في الغربة والمنفى ذلك النهج التجديدي الحداثوي ذو الرؤية البعيدة عن المعالجة التقليدية للنص والأعتماد على رؤية خاصة في الاخراج. ومن أبرز أبناء هذا الجيل الفنانين :صلاح القصب، حميد الجمالي، فاضل خليل، عوني كرومي، حميد حساني، كاظم الخالدي، عبد المطلب السنيد، علي ماجد، غانم بابان، عقيل مهدي، هاني هاني، فاضل السوداني، هادي الخزاعي، وجواد الاسدي و فلاح هاشم ، عزيز خيون ، اسعد راشد، غانم بابان ، ابوذر سعودي ، حسن عبد ، سلمى داود ، نماء الورد ، نضال عبد الكريم ،سعاد جواد ، اقبال محمد على وسميرة الورد و شذى طه سالم و افراح عباس ،عام 1979 هاجر إلى اليمن الجنوبية هربا من النظام الدكتاتوري وهناك حيث اللامسرح أو مسرح اللاشئ عمل على انشاء مسرح حديث في اليمن وشكل فرقة مسرحية اسمها (فرقة مسرح اكتوبر) ،واخرج مسرحية (الملك هو الملك) لسعد الله ونوس وأعتبر هذا العمل في وقته انطلاقة جديدة للمسرح اليمني الجنوبي حتّى أن أحد النقاد كتب حينها مامعناه» ان هولاء الممثلين الذين شاهدناهم على المسرح نعرفهم سابقاً لكننا الان نراهم بشكل جديد أخر» ، التجربة الثانية هي مسرحية «عبيدو والصراط» لوليد اخلاصي، أعداداً وأخراجاً ولنفس الكادر» فرقة اكتوبر» وبعدها قُدمُ أعمال اخرى منها : مسرحية (الشهداء السبعة) وهي حكاية يمانية قديمة كتبها للمسرح الفنان المسرحي العراقي هادي الخزاعي عام 1981، و(حصار بيروت) لشاكر لعيبي حول أحداث عام 1982 وخروج المقاومة من لبنان. ومسرحية (العودة المفاجئة) عام 1982 تاليف مارتن اوسلو وترجمة سعدي يوسف، وفي عدن كان اسماعيل عضوا فرقة مسرحية بإسم «فرقة مسرح الصداقة» عام 1980 وتولت رئاسة الفرقة الفنانة الراحلة زينب وكانت الفرقة تضم في هيأتها الإدارية كلا من الفنانين: لطيف صالح، اسماعيل خليل، صلاح الصكر، أنوار البياتي، سلام الصكر، وصباح المندلاوي. ونشطت هذه الفرقة وقدمت باكورة أعمالها بـمسرحية «مغامرة رأس المملوك جابر» لسعد الله ونوس واخراج الفنان لطيف صالح. وأعقبت هذا العمل مسرحية «الأم» لبرشت التي أخرجها الفنان سلام الصكر، وتثميناً للجهود والتجارب المسرحية الناجحة في عدن بادرت وزارة الثقافة والسياحة اليمنية بأرساله إلى دورة تدريبية في بلغاريا عام 1987 وهي دورة تخصص في الاخراج المسرحي حيث قام هناك باخراج مسرحية (عرس الدم) للشاعر الاسباني لوركا، وقُدم هذا العمل في معهد الفيتس وكان اطروحة للتخرج، وبعد عودته لليمن أخرجُ مسرحية (الفيل ياملك الزمان) لسعد الله ونوس عام 1991 وشارك هذا العمل في مهرجان قرطاج المسرحي، وفي عام 1995 قدمُ عملاً مسرحياً بعنوان (أبو حيان التوحيدي) أعداد قاسم محمد وهشام علي وأسماعيل خليل، ومع الاسف فان كلا العملين «الفيل ياملك الزمان» «وأبو حيان التوحيدي»، عرضا خارج اليمن في بعض المهرجانات وبأسماء اخرى، أي أن الأعمال قد نُسبت إلى غير مخرجها الذي هو أسماعيل خليل،غادر إلى المانيا.في عام 1996 واستقر في مدينة برلين، وقام هناك وبمشاركة لطيف الحبيب بتأليف كتاب بعنوان (المسرح المغيب شاهد على العصر) عن الفنان المسرحي العراقي المغيب كاظم الخالدي . وفي عام 2001 شاركُ مع صالح كاظم وبكر رشيد باقامة مهرجان المسرح العراقي في المنفى على مسارح (ديرويركشتات كيلشرين) وهو أول مهرجان مسرحي عراقي في المنفى الالماني تحديداً، اعلنت 14 فرقة اشتراكها في المهرجان ولكن البعض لظروف ذاتية منعتهم من الحضور من فرنسا أمريكا انكلترا وكثفت العروض إلى تسعة عروض توزعت على أربعة أيام , ورغم المعوقات الكثيرة كلل المهرجان بالنجاح ، حضرالمهرجان 27 فنانا من مخرجين وممثلين وكذلك حضر عدد من النقاد والصحفيين، بعد هذه الرحلة الطويلة المضنية وقع الراحل بين انياب المرض وظل عليلا تحت رعاية الحكومة الالمانية حتى وافاه الاجل صبيحة الخامس عشر من ايار المنصرم ليتطوع اصدقاؤه في برلين بنقل جثمانه الى العراق ليوارى الثرى يوم الخامس والعشرين من نفس الشهر . الراحل رحمه الله كان يدعو لحرية الابداع عموما والمسرح خصوصا وان يكون بعيدا عن الهيمنة والادلجة والتبعية ،لان المسرح عالم ابداعي يعتمد الحرية في كل شيء وعندما يكون الفنان حرا فانه يستطيع التعبير عن دواخله باريحية وحرية مما يضفي جمالا ويجسد وظيفة الفن والمسرح وما يعبران عن الانسان وحياته لذلك كابد اسماعيل الغربة والحنين والمرض لكي يمارس قناعاته وبدون وصاية احد الامر الذي آمن به حتى لحظاته الأخيرة.