متابعة ـ الصباح الجديد:
توصّلت القمة الأوروبية، بعد محادثات معقدة وعسيرة دامت تسع ساعات، إلى مقاربة سياسية «طوعية» تنقذ ماء وجه قادة دول الاتحاد الأوروبي الذين يتعرّضون إلى ضغط شديد نتيجة تدفق مهاجرين من جهة، وتنامي تيارات يمينية متشددة من جهة أخرى.
والتزم قادة الاتحاد والمفوضية الأوروبية الحذر، إذ يدركون أن تنفيذ هذه المقاربة يتطلّب جهوداً هائلة، لا سيّما مع استمرار خلافات بين الدول الأعضاء على استقبال مراكز مقفلة للمهاجرين، إذ أكدت فرنسا والنمسا أنهما لن تقبلا إقامتها على أراضيهما.
وقال رئيس المجلس الأوروبي رئيس القمة دونالد تاسك: «من السابق لأوانه الحديث عن نجاح، لأن اتفاق القمة هو الجزء السهل من المهمة، مقارنة بما ينتظرنا من صعوبات لتنفيذ المقاربة».
ولم يقتصر جدول أعمال القمة على الهجرة، إذ أقرّ قادة دول الاتحاد «تمديد العقوبات الاقتصادية على روسيا لستة أشهر»، واستعجلوا «تبنّي نظام جديد من القيود لمواجهة استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها»، وتكثيف التعاون لمواجهة تهديد تمثله «نشاطات استخباراتية معادية».
وتعهد قادة الاتحاد «الردّ على كل الإجراءات ذات الطابع الحمائي»، داعين إلى قانون جديد لفحص الاستثمارات الأجنبية.
وبعد ساعات على توقيع الاتفاق في شأن الهجرة، برز تباين في شأن تفسيره، إذ شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ان بلاده لن تشيّد على أراضيها مراكز لاستقبال المهاجرين، بحجة انها «ليست بلد وصول أول».
واقترح مبدأ تبنّته دول الاتحاد، يقضي بإقامة «مراكز تخضع للمراقبة» في أوروبا، تحديداً في الدول التي يصل إليها المهاجرون، أي إيطاليا وإسبانيا واليونان، على أساس طوعي. واستنتج أن المقاربة الأوروبية «منسجمة وتحفّز التعاون مع الدول الأخرى في أفريقيا والشرق الأدنى والشرق الأوسط»، لافتاً الى أنها تنبذ «دعوات الى الانغلاق أو التنكر للمبادئ الأوروبية».
لكن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي رفض تصريحات نظيره الفرنسي، مشدداً على أن الاتفاق لا يتضمّن «إقامة مراكز الاستقبال في أوروبا، في دول محددة»، علماً انه اعتبر أن بلاده «لم تعد وحدها» في مواجهة أزمة المهاجرين. أما المستشارة الألمانية أنغيلا مركل فأعربت عن «تفاؤل، إذ يمكننا الآن أن نواصل العمل، وإن كان علينا أن نبذل الكثير من الجهد من أجل تقريب وجهات نظر مختلفة».
وأثار الاتفاق مخاوف في دول خارج أوروبا، لا سيّما انه يتضمّن إقامة «منصّات» للمهاجرين خارج الاتحاد، لردعهم عن عبور البحر المتوسط. وحذر «الجيش الوطني الليبي» بقيادة المشير خليفة حفتر «أطرافاً دوليين» من «إنشاء وجود عسكري» لهم في جنوب ليبيا «بحجة التصدي للهجرة غير الشرعية»، ملوحاً باتخاذ «كل الإجراءات الكفيلة بحماية الدولة الليبية وحدودها وشعبها».
وأعلنت مصر رفضها إقامة «معسكرات إيواء» للمهاجرين على أراضيها، و»رفض عزلهم بأي شكل وتحت أي مسمى». وأشارت الى أنها تتعامل مع المهاجرين عبر «دمجهم في المجتمع وتأمين الحاجات الأساسية لهم». وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة اعلن رفض بلاده فكرة إقامة مراكز استقبال خارج الاتحاد الأوروبي.
وأقرّت قمة الاتحاد الأوروبي إنشاء «منصّات إنزال» للمهاجرين خارج أوروبا، لردعهم عن عبور البحر المتوسط. وينصّ الاتفاق على تشييد «مراكز خاضعة للمراقبة» في دول أوروبية «على أساس اختياري»، يوضع فيها المهاجرون بعد وصولهم وتُنفذ فيها «سريعاً» عملية فرز المهاجرين غير الشرعيين الذين يجب ترحيلهم، والذين يحقّ لهم طلب اللجوء ويمكن توزيعهم ونقلهم إلى دول أخرى أوروبية، على أساس «تطوعي».
ويشير الاتفاق الى «تعزيز آليات مكافحة شبكات التهريب، من خلال التعاون مع أجهزة الأمن في دول الساحل الأفريقي ودعم خفر السواحل الليبي… وإقامة مراكز تجميع المهاجرين الوافدين في التراب الأوروبي وفي دول الساحل الأفريقي والشرق الأوسط».
لكن الطابع غير الإلزامي للمقاربة أثار تساؤلات حول تنفيذ عناصر الخطة بالكامل، خصوصاً من دول أوروبا الشرقية. كما أن اقتراح استنساخ الصفقة المبرمة بين الاتحاد وتركيا عام 2016، وعرضها على الأردن ولبنان ودول الساحل الأفريقي، سيتطلّبان مفاوضات مع الأطراف المعنيين. لكن تونس والجزائر والمغرب استبقت إعلان المقاربة الأوروبية، مؤكدة رفضها استقبال مخيمات تجميع لمهاجرين.