خرج من خيمة المفوضية شاهراً ورقاً واستمارة بيضاء تلطخت ببقع وقطرات من الحبر البنفسجي، مخاطباً الجمع الغفير الذي كان ينتظر نتائج التصويت بلهفة وشوق، قائلاً لهم بصوت عال: ياقوم هذا دليل الشرف والعفة التي كنتم تنتظرونها منا جميعاً، هيا.. حان وقت الاحتفال ..أوقدوا النيران وأقيموا الولائم والأفراح والليالي الملاح !
صاح أصحاب القوائم الفائزة بصوت واحد: الله أكبر.. ظهر الحق وزهق الباطل.. لنفرح جميعاً ولنشرب نخب انتصارنا ،ونحتسي شراب “الاسكنجبيل” البارد !
انطلقت الزغاريد والهلاهل.. ودقت الطبول ،لكنها توقفت بعد ثوان قليلة وساد صمت رهيب بسبب صوت جهوري انطلق من أحد الحاضرين المتجمهرين قائلاً: لا أفراح ولا بطيخ ولا هم يحزنون.. الحقيقة ليست كما تقول يا كبير المفوضين .. فهناك جريمة تزوير وتلاعب وقعت هنا وهناك ولحق بِنَا حيف كبير!
أحد “العساعس” الذي كان يقف بالقرب منه صاح بالمعترض غاضباً: ويحك يا هذا خسئت يارجل.. كيف تكلم كبيرنا وتتهمه بالتزوير والتلاعب…؟!
قاطعه كبير المفوضين قائلاً: اتركه يا عسعوس.. ودعه يقترب منا لنستمع الى شكواه فنحن نحترم مبدأ الرأى والرأي الآخر ، ونحن هنا لتحقيق العدالة بين مواطنينا ولا يُظلم عندنا أحد من المرشحين !
التفت إلى ممثل المعترضين قائلاً : قل ما هو طلبك ؟ وما هي شكواك ؟ ، وهل تستحق كل هذه الضجة والفوضى التي تسببت فيها وأدت الى تعكير سعادتنا وفرحتنا بهذا الحدث التاريخي ؟
– قال ممثل المعترضين : جئناك من هول ما رأينا في مراكز الاقتراع من ظلم وتزوير وتلاعب بأوراق الانتخابات، طامعين بإنصافنا واحقاق الحق الذي فيه تنظرون!
– كبير المفوضين : ومن أرسلكم إلينا؟
– ممثل المعترضين : بعض عقلاء القوم عندنا وأيضاً جمع ممّن منحنا صوته وثقته!
– كبير المفوضين : وماذا أشاروا عليكم؟
– ممثل المعترضين : قالوا عليكم بالمفوضية ففيها رئيس عادل لا يُظلم عنده أحد؟
– كبير المفوضين : وماذا بعد؟
– ممثل المعترضين : قالوا سينظر في شكواكم وما تعرضتم له من ظلم وتزوير وسوف ينصفكم إن كان مطلبكم يخدم القضايا المصيرية !
– كبير المفوضين : وما هو طلبكم الآن..؟
– ممثل المعترضين : نطالبكم بالعد والفرز اليدوي.. وتسليمنا القوائم الأصلية ؟
– كبير المفوضين : غريب أمركم ياقوم.. أتتركون العدّ والفرز الإلكتروني وتطالبون بالعدّ والفرز اليدوي؟!
– ممثل المعترضين : بلا.. يا كبير المفوضية.. لكن ليطمئن قلبي كما يقولون، لقد تلاعبوا بالنتائج حتى وإن كانت بالأجهزة الإلكترونية الحديثة !
– كبير المفوضين : مستحيل حدوث ذلك.. إلاّ إذا كان “ذكراً” عفوّاً “هكراً” متآمراً قد اخترق “شرف” هذه الأجهزة الإلكترونية الدقيقة !
وفِي هذا الأثناء استدرك “كبير المفوضين” وأستعدل في وقفته قائلاً : اقترب مني يا ممثل المعترضين – وأخذ عصا كبيرة – وخط على الأرض خطاً وقال يا بنيّ انظر ليس هناك فرق بين العدّ والفرز اليدوي وبين العدّ والفرز الإلكتروني أكثر من هذا الخط !
ثم رفع رأسه مخاطباً ممثل المعترضين:
والله لا أسلّم لكم..قوائم الانتخابات “الأصلية” بجبل من ذهب.. ونجوم الضحى أقرب إليكم منها، لقد قُضي الأمر الذي كنتم فيه تستفتون “تعيشون وتاخذون غيرها” .. انطلق يا “معترض” أنت ومن معك بسلام.. وتنعمّوا في أرض الله الواسعة بأجواء الديمقراطية .. وعيشوا
في ثبات ونبات ..وخلفووو صبيان وبنات”!
• ضوء
من لم يَمت بالتصويت الإلكتروني ..مات بالعدّ والفرز اليدوي!
عاصم جهاد