ريثما تتشكل الحكومة

بانتظار ما ستسفر عنه خارطة التحالفات السياسية على وفق ما افرزته الانتخابات النيابية ، وريثما تتشكل الحكومة الجديدة .. يمكن ان نستغل هذه الفترة ، لنرسم المشهد العراقي لمساعدة الحكومة المقبلة في التفكير والعمل على اتخاذ القرارات المطلوبة التي يراد لها ان تكون قرارات بمستوى الصعوبات التي تواجهها البلاد ، من دون ان ننسى ما قامت به الحكومة الحالية من خطوات مهمة يمكن ان تمثل خارطة طريق واضحة المعالم لخليفتها ألمقبلة ،لاسيما في مجال مكافحة الفقر ومعالجة العشوائيات ، وخطة اعادة اعمار المناطق المحررة ،فضلا عن خطة التنمية الوطنية الخمسية ، وكل هذه الخطط والاستراتيجيات تغطي عمر الحكومة المقبلة بالكامل ، وبالتالي فهي ستجد الامور جاهزة وما عليها إلا المضي في عمليات التنفيذ وفقا للتوقيتات الزمنية ، وكل ما تحتاجه هو القرار والإصرار ، ومادام جاء ذكر الفقر والعشوائيات والخدمات ، فمن نافلة القول الاشارة إلى ان الفقر مازال يكبل بأغلاله السود مساحات واسعة من ارض وادي الرافدين ، فعلى الرغم من المعالجات التي اتخذتها الحكومة ، إلا ان عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر لا يقل عن سبعة ملايين انسان يشكلون نحو 22% من مجموع السكان ، من هؤلاء الفقراء يوجد قرابة الخمسة ملايين انسان يعيشون على معونات شبكة الحماية الاجتماعية التي لا توفر سوى الحد الادنى من متطلبات العيش ، فيما ينتظر المليونان الاخران شمولهم بمعونات شبكة الحماية الاجتماعية خلال المرحلة المقبلة ، وفي السياق ذاته ، مازالت العشوائيات تمثل ضغطا هائلا على الواقع العراقي سواء في العاصمة او سائر المحافظات الاخرى وفيها يقطن اكثر من 3 ملايين انسان موزعين على ما يقارب الاربعة آلاف مجمع عشوائي تضم اكثر من 500 الف وحدة سكنية ، وهذه هي ايضا تمثل تحديا لا يستهان به في ظل تفاقم ازمة السكن في العراق نتيجة ضعف الاستثمار في هذا القطاع ، اذ تقدر الحاجة الان لفك الاختناق السكني إلى مالا يقل عن 3 ملايين وحدة سكنية ، وهذا الرقم قابل للزيادة مع تزايد عدد السكان إلى اكثر من 38 مليون نسمة ، يشكل الشباب النسبة الاكبر منهم ، وحاجة هؤلاء الشباب لا تقتصر على السكن وحسب ، انما هم بحاجة إلى فرص عمل وتعليم وخدمات اخرى ، خصوصا مع حدوث تزايد ملحوظ في نسب البطالة التي تصل إلى اكثر من 11% وترتفع إلى ضعف هذه النسبة بين شريحة الشباب ، مع استمرار الجامعات العراقية بتخريج وجبات سنوية في مختلف الاختصاصات وبما لا يقل عن 130 الف خريج سنويا ، اغلبهم ، ان لم نقل جميعهم يبحثون عن وظائف في الجسد الحكومي المترهل اصلا وغير القادر على استقبال المزيد ، ومن هنا ينبغي التوجه نحو القطاع الخاص الذي يأوي قرابة 5 ملايين مواطن يعملون في جنباته ، ولكن اغلب هؤلاء عيونهم ترنو إلى الوظيفة الحكومية وان كانت اقل ايرادا ، نتيجة غياب الضمانات في هذا القطاع .
لا يتوقف الامر عند هذا الحد ، اذ مازالت لدينا مشكلات في عدد المدارس ، وتقدر الحاجة الفعلية لفك الزخم الحاصل في هذا القطاع إلى اكثر من 10 آلاف مدرسة ، فضلا عن الخدمات الاخرى المطلوب توفيرها للمواطن ، وبالتالي فنحن نحتاج إلى ايجاد الحلول الحقيقية سواء أكانت اقتصادية ام اجتماعية لنقل الشرائح المهمشة من حالة التهميش إلى حالة التمكين الحقيقي .
وهنا وفي اطار الحلول والمعالجات المطلوبة ، فان الواقع يحتاج إلى تفعيل البرامج الاقتصادية في جانبيها الاجتماعي والخدمي والتركيز على تمكين الشباب من ممارسة العمل الحر وإيجاد الفرص الاستثمارية المناسبة لهم خارج اطار الوظيفة الحكومية ، ومن هنا فان انتقالا تدريجيا سيحدث في الاقتصاد الوطني من الاحادية الريعية إلى الاستدامة المبنية على التنافسية والتعددية المصدرية ، الامر الذي سيتيح امكانية الشروع بتنفيذ مشاريع وطنية عملاقة تحرك الاقتصاد الوطني ، تكون الحكومة هي الضامن لهذه المشاريع ، على ان يتم استثمار جانب من العائدات النفطية في الجوانب الاجتماعية ومعالجة الاختناقات في مجالات السكن والصحة والتعليم وتوفير الخدمات وكل هذه من شأنها ان تسهم في مكافحة الفقر وتصفير البطالة وإزالة مشهد العشوائيات وتوفير الخدمات وتحسين الاداء الاقتصادي.
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة